للورثة ، وعليها كفّارة تساوى عتق رقبة ، وكذا لو كان الجانى المسقط للجنين أباه أو غيره ، فحكمه حكم الأم.
* * *
١١٩٤ ـ أحقاف قوم عاد
الأحقاف ديار قوم عاد كقوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) (الأحقاف ٢١). والأحقاف فى اللغة جمع حقف وهو الكلّ العظيم من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع حقاف ، وجمع الجمع أحقاف ، وهى فى الآية : جبال بعمان تشرف على البحر ، بأرض يقال لها الشّحر أو الشّحر ، ويطلقون عليها اسم شحر عمان ، وموقعها بين عمان وحضر موت ، وقيل اسمها مهرة ، وتنسب إليها الإبل المهرية ، وكانوا أهل بداوة ، وفيهم شدّة ، ويسكنون الخيام ذات العمد ، ويرتحلون كثيرا فى الربيع طلبا للكلا ، ثم يعودون من بعد إلى مساكنهم فى الوادى ، وكانوا من قبيلة إرم ، ووصفهم القرآن فقال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨) (الفجر) ، وهذه هى : (عاداً الْأُولى) (النجم ٥٠) أو «عاد الأحقاف» ، أو «عاد إرم» ، وهم «قوم هود» ، وعذّبوا بالريح الصرصر ، بخلاف «عاد الأخرى» ، أو «عاد ثمود» ، وكانوا بوادى القرى فى الحجر ، بين الحجاز وتبوك ، وهم قوم صالح ، وعذّبوا بالصاعقة.
وأرض الأحقاف جبلية رملية قاحلة ، إلا من ماء متسرّب فى أرض الوادى ، وآبارهم من أردأ الآبار ، واعتمادهم على المطر ، ولذا قيل فيهم لما رأوا السحاب : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (الأحقاف ٢٤) ، ولم يكن كما توقعوا : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥) (الأحقاف) ، وذلك هو جزاء المفترين إذن. والدرس المستفاد يوجزه قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ...) (٢٦) (الأحقاف) ، تعليل لما حاق بهم من سوء المآل ، وقوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥) (الأحقاف) إحالة من أهل الأحقاف إلى أهل مكة لعلهم يتّعظون. وما يرد من التاريخ والجغرافيا فى القرآن ليس لذاتهما ، وإنما للعبرة ، ولتسلية المؤمنين لعلهم يصبرون ولا يستعجلون على مرّ العصور نهايات المجرمين البائسة ، فلعلنا نصبر أيضا على حيف أمثال إسرائيل وأمريكا فى فلسطين والعراق وأفغانستان ، وأمثال روسيا فى الشيشان ، وما جرى فى الأحقاف بمثابة البلاغ للقوم الفاسقين ، وحسبنا الله.
* * *