١١٣٥ ـ سورة الأنفال
الآية : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (الأنفال ١) : قيل : لمّا نزلت آية الأنفال قسم الرسول صلىاللهعليهوسلم الغنائم يوم بدر من غير أن يخمّسها ، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ...) (الأنفال ٤١) ، فنسخت الأولى ، والصحيح أنها لم تنسخها بل هى آية محكمة ، وآية الأنفال أصلها عن جماع الغنائم ، وآية الخمس مخصوص بها من نزلت فيهم وجرت به السنّة ، والغنائم فى الآيتين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وليست مقسومة بين الغانمين ، ومن بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن الغنائم للدولة. والآية الأولى أجملت الجواب عن سؤالهم عن الأنفال ، والآية الثانية فصّلت هذا الإجمال فقررت أن الغنيمة توزع أخماسا.
والآية : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (الأنفال ٦٧) : قيل : نسختها الآية : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (محمد ٤) ، والصحيح أنها لم تنسخها ، لأن الآية الأولى كانت عن بدر ، وكانت لبدر ظروفها ، والمسلمون قلة ، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزلت الآية الأخرى.
والآية : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) (الأنفال ١٦) : قيل : هى منسوخة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (الأنفال ٦٥) ، والصحيح أن الآية الأولى فيها عموم ، قد خصّص بما فى الآيتين ، فلم يعد كل من يولى الكفار دبره فى القتال مستحقا للوعيد الذى فى الآية ، وإنما قصر هذا الوعيد على من فرّ أمام عدو يزيد على مثليه بمقتضى ثانية الآيتين ، وهذا تخصيص وليس نسخا.
والآية : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٣٨) : قالوا : هى منسوخة بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) (الأنفال) ، فقد فسّروا الانتهاء بالمهادنة أو ما يشبهها مع البقاء على الكفر ، ورأوا فى الآية إقرارا للكفّار على كفرهم إذا لم يعادوا المسلمين ولم يقاتلوهم ، ثم وجدوا الآية التى تليها صريحة فى الأمر بمقاتلتهم إلى أن يسلموا كى لا تكون هناك فتنة ، ويكون الدين لله ، وهذا فى فهمهم معارض لما قررته الآية الأولى من مهادنة الكفار على كفرهم ، فهو إذن ناسخ له. غير أن من قالوا بذلك لم يلتفتوا إلى الوعيد إلى جانب الوعد فى الآية الأولى : (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) ، وإلى أن المراد بقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا