والآية : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤٥) (الأنعام) : ومنشأ دعوى النسخ فى الآية أنها حصرت المحرّم أكله من الحيوان فيما ذكرته ، وقالوا : نسختها الآية : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة ٣) ، فأضيف بعض ما حرّم بهذه الآية إلى ما حرّم بآية الأنعام ، وسموا ذلك نسخا لها أو لأسلوب الحصر فيها. والصواب أن الآية محكمة وليست منسوخة ، وآية المائدة داخلة فيها ولا تتعارض معها ، فالمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة من الميتة. ومن الفسق ما أهلّ به لغير الله ، وما ذبح على النصب. وأما الدم ولحم الخنزير فقد ذكرتها المائدة ، وقيّد الدم بأن يكون مسفوحا ، وهو شرط لا بدّ منه للتحريم. وأما الذين قالوا إنها منسوخة بالسنّة ، فالسنة لا تنسخ القرآن ولكنها تبيّنه. وأسلوب الآية يسمح بإضافة محرمات جديدة إلى ما حرمته فى قوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...).
* * *
١١٣٤ ـ سورة الأعراف
الآية : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) : قيل : الآية أولها منسوخ ، وآخرها منسوخ ، ووسطها محكم ؛ فأولها : (خُذِ الْعَفْوَ) نسخته آية الزكاة ، وآخرها : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) نسخته آية السيف ، وأما وسطها فهو محكم. ومع أن الآية نزلت لسؤالهم عن النفقة : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (البقرة ٢١٩) فإنها فى أخلاق الناس ، ومعنى (خُذِ الْعَفْوَ) أى السهل من أخلاق الناس ، فلا تغلظ عليهم ، ولا تعنف بهم ، فتكون الآية غير متعارضة مع آية الزكاة ، ولا موجب للنسخ. وأما قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ، فهى تأديب منه تعالى لخلقه ، باحتمال من يظلمونهم ويعتدون عليهم ، وليس الجهل هنا هو جهل الواجب تجاه الله ، أو الجهل الذى نقيضه من يظلمونهم ويعتدون عليهم ، وليس الجهل هنا هو جهل الواجب تجاه الله ، أو الجهل الذى نقيضه العلم ، وإنما هو السفه والعدوان ، ودعوى النسخ فيها إذن ظاهرة البطلان ، والآية على ذلك محكمة دون فرق بين أولها ووسطها وآخرها.
* * *