الأولى عن النفير العام ، والآية الثانية عن النفير لطلب العلم لا للقتال. وقيل إن الآية : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (٧١) (النساء) منسوخة بقوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (التوبة ٤١) ، وبقوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) (التوبة ٣٩) ؛ وقيل : إن الآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (التوبة ١٢٢) ، تنسخ الآية الأخرى : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) (التوبة ٣٩) ، والصحيح أن الآيات جميعها محكمة ، فالأولى : المقصود بها أن ينفروا فى شكل سرايا الواحدة تلو الأخرى ، أو فى شكل جيش عام ؛ والثانية : أن ينفروا خفافا وثقالا من جهة الإعداد العسكرى بالعتاد والمؤن والسلاح والأنفار وغير ذلك ؛ فإما يكونون فى شكل وحدات خفيفة ، أو وحدات مزوّدة بمعدات ثقيلة ؛ والآية الثالثة : يتوعد الله تعالى من لا يخرج للقتال بالعذاب سواء فى الدنيا أو فى الآخرة ؛ والآية الرابعة : تسقط الخروج للقتال عن الكافة وتجعله لمن تحتاجه المعركة من أعداد للمقاتلين ، وكفاءاتهم ونوعية القتال الذى سيدخلونه.
والآية : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (النساء ٨١) : قيل : الآية نسختها آية السيف ، إلا أنها محكمة وتتحدث عن المنافقين وكيدهم ، فلا ينسخها الأمر بالقتال ، لأنهم لا يقاتلون وإنما يوعظون ويعرض عنهم ويترك أمرهم لله تعالى.
والآية : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء ٨٤) : قيل : نسختها آية السيف ، والذى قال ذلك فهم الآية أن لا تكلف أن تقاتل أحدا ، وليس المعنى كذلك ، وإنما المعنى : لا تكلف فى الجهاد إلا فعل نفسك.
والآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣) : قيل : نسختها الآية : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء ١١٦) ، والصحيح أنها محكمة ولم تنسخ ، لأن القتل العمد موضع تخصيص ، والمغفرة موضع عموم ، والعام لا ينسخ الخاص ، ثم إن آية القتل العمد الجزاء فيها لمن لم يتب وأصرّ على الذنب حتى وافى ربّه على الكفر بشؤم المعاصى ، والجمع بين الآيتين ممكن فلا نسخ ولا تعارض ، فيحمل مطلق آية النساء على مقيد آية الفرقان ، فيكون المعنى : فجزاؤه كذا إلا من تاب.
والآية : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا