والآية : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢) (البقرة) : قيل : نسختها آية الصدقات : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠) (التوبة) ، والآيتان لا تتعارضان وليس ثمة نسخ إذن.
والآية : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) (البقرة ٢٨٢) : قيل : نسختها الآية التى بعدها : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ، وهذا لا معنى له ، لأن حكم الآية الأولى بخلاف حكم الآية الثانية ، وحكم الأولى الكتابة ، وحكم الثانية من لم يجد كاتب ، بقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (البقرة). وقيل : إن قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) وردت مع الأمر بالإشهاد : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ، ولا يجوز أن يرد الناسخ والمنسوخ معا جميعا فى حالة واحدة.
والآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (البقرة ٢٨٤) : قالوا : اشتكى الصحابة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية ، وأن يحاسبوا على الوسوسة ، فنزلت آية : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة ٢٨٦) تنسخ الآية السابقة. والصحيح أن الآية لم تنسخ ، فلا يلزم من المحاسبة المعاقبة ، والله قد يحاسب ويغفر ، وقد يحاسب ويعاقب ، وتشرحها الآية الثانية التى مفادها أن العباد لا يحاسبون إلا على ما كان فى وسعهم ، وأعمال القلب يصدق عليها الحديث : «وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة» ، والحساب إذن على ما يهمّ به من سيئات ويعمله أو يقصر عن عمله قسرا عنه لظروف خارجة عن إرادته ، وفى الحديث : «إن الله تجاوز لأمتى عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه» ، وفى القرآن : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) (النجم) يعنى ما انتواه وجهد إلى تحقيقه ، فهذا ما يحاسب عليه ، وإن انتوى شيئا ولم يجهد إلى تحقيقه فقد يحاسب عليه ويسأل ولكن لا يعذّب ، وكذلك ما يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها ويكرهه منها فهذا لم يكلف به ، والحساب لا يكون إلا عن الأعمال التى تدخل تحت التكليف. وعلى ذلك فالآية من المحكم ولم تنسخها آية أخرى.
* * *
١١٣٠ ـ سورة آل عمران
الآية : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ