ولكن فكرت فى محمد ، فقلت : ما يكون من الساحر؟ فقيل : يفرّق بين الأب وابنه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين المرأة وزوجها ، فقلت : إنه ساحر. فشاع هذا فى الناس ، وصاحوا يقولون : إن محمدا ساحر. ورجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته محزونا فتدثّر بقطيفة ، ونزلت (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢) إلى قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧).
٢ ـ وفى قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً) (١٣) : قيل : كان الوليد يقول : أنا الوحيد ابن الوحيد ، ليس لى فى العرب نظير ، ولا لأبى المغيرة نظير ، وكان يسمّى «الوحيد». وكانت ثروته ألف ألف دينار ، وكان له بستان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا ، وكان له عشرة أولاد ، وقيل اثنا عشر ، وقيل : كانوا اثنى عشر : سبعة ولدوا بمكة ، وخمسة ولدوا بالطائف. وقيل : كانوا ثلاثة عشر ولدا. وقال مقاتل : كانوا سبعة كلهم رجال ، أسلم منهم ثلاثة : خالد بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، والوليد بن الوليد. فنزلت الآية (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً) (١٣).
٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥) : قيل : لما نزلت (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) (غافر) ، سمع الوليد من يقرؤها فقال : والله لقد سمعت كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإن ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر. فقالت قريش : صبأ الوليد ، لتصبون قريش كلها! وكان يقال للوليد ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه. فمضى إليه حزينا ، فقال له : ما لى أراك حزينا؟ فقال له : وما لى لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك بها على كبر سنك ، ويزعمون أنك زيّنت كلام محمد ، وتدخل على ابن أبى كبشة (يعنى النبىّ صلىاللهعليهوسلم) وابن أبى قحافة (يعنى أبا بكر) لتنال من فضل طعامهما. فغضب الوليد وتكبّر ، وقال : أنا أحتاج إلى محمد وصاحبه؟ فأنتم تعرفون قدر مالى! واللات والعزى ما بى حاجة إلى ذلك ، وإنما أنتم تزعمون أن محمدا مجنون ، فهل رأيتموه قطّ يخنق؟ قالوا : لا والله! قال : وتزعمون أنه شاعر ، فهل رأيتموه نطق شعرا قطّ؟ قالوا : لا والله! قال : وتزعمون أنه كذّاب ، فهل جرّبتم عليه كذبا قطّ؟ قالوا : لا والله! قال : فتزعمون أنه كاهن ، فهل رأيتموه تكهن قطّ ولقد رأينا للكهنة أسجاعا وتخالجا ، فهل رأيتموه كذلك؟