فحرّم على نفسه عسل زينب ، فنزلت الآية. وقيل : إنه كان يشرب العسل عند حفصة وليس عند زينب ، وقيل : هى أم سلمة. وقيل : راجع عمر امرأته ، وتعللت بأن أزواج النبىّ صلىاللهعليهوسلم يراجعنه ، فأخذ ثوبه وخرج إلى حفصة يسألها : أتراجعين رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالت : نعم ، ولو أعلم أنك تكره ذلك ما فعلت. فلما بلغ عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هجر نساءه ، قال : رغم أنف حفصة! ونزلت الآية. ـ وهذا كله جهل وتصوّر بغير علم ورواياته مرسلة. والآية لا يعلم سببها إلا النبىّ ونساؤه صلىاللهعليهوسلم ولم نعرف أن أحدا من نسائه روت عن ذلك ، ولا النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، إلا ما جاء منه فى هذه السورة وغيرها من مراجعات بينه وبين وزوجاته. ولقد ذهب المفسرون مذاهب بعيدة فى تفسير الآية وغيرها ، عن أسبابها وأشخاصها ، وعن مناسبة نزولها. والصحيح أن هذه الآية وغيرها نزلت لرفع تضييق النبىّ صلىاللهعليهوسلم ما وسّعه الله له ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١)؟
٢ ـ وفى قوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢) : قيل : الآية نزلت فى اليمين ، والخطاب فيها للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ثم الأمة تقتدى به ، وقيل : إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أعتق رقبة فى تحريم مارية. والآية تفرض تحليل اليمين ، والتحلّة هى تحليله ، فكأن اليمين عقد والكفارة حلّ ، والآية على الصحيح ليست فى يمين مزعوم للنبىّ صلىاللهعليهوسلم على مارية ولكنها بيان لشرع مبتدأ ولرفع التضييق فى اليمين على المسلمين.
٣ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (٣) : قيل : مناسبة الآية تحريمه صلىاللهعليهوسلم مارية على نفسه واستكتامه حفصة ذلك. وقيل : أسرّ لحفصة أمر من سيخلفه على أمته من بعده ، وقال إنهما أبوها وأبو عائشة! وقال ابن عباس : أسرّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة فذكرته حفصة ، وقيل : اطّلعت حفصة على النبىّ صلىاللهعليهوسلم مع أم إبراهيم فقال : «لا تخبرى عائشة» ، وقال لها : «إن أباك وأباها سيملكان أو سيليان بعدى فلا تخبرى عائشة» ، فانطلقت حفصة وأخبرت عائشة ، فأظهره الله عليه ، فعرف بعضه وأعرض عن بعض. قيل : أعرض عن قوله : «إن أباك وأباها يكونان بعدى» ، وكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينشر ذلك على الناس. وذلك كله جهل ، وتصوّر بغير علم ، ورجم بالغيب ، ورواياته مرسلة ، ولم يذع النبىّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ولا زوجاته ، إلا ما نزل من الآية ، ونفهم منه أنه حول إفشاء السرّ الذى يكون بين الزوجين مما يهدد الحياة الزوجية وذلك فى إطار تربوى للبيت المسلم.