الرحمن اشتراكه مع أخته عائشة فى وقعة الجمل ودفاعه عنها ، ولما ولى معاوية وأراد أخذ البيعة لابنه يزيد ، وكان عبد الرحمن حاضرا ، أبدى غضبه واستياءه ، وقال مقالته المشهورة : «أهرقلية»؟ (نسبة إلى هرقل) ، فكلما مات قيصر كان قيصر مكانه؟ لا نفعل والله أبدا! ومن أجل ذلك أذاع عنه الشيعة ومعاوية أنه موضوع هذه الآية. ونفت الصادقة المبرّأة من فوق سبع سماوات ، عائشة أم المؤمنين ، أن تكون الآية نزلت فى عبد الرحمن ، وكيف تقصد هذه الآية عبد الرحمن ، والآية التى بعدها مباشرة تقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (١٨) (الأحقاف) ، يعنى أن المقصود بالآية الأولى هم الذين تتحدث عنهم الآية الثانية ، وهذا العذاب الذى يتوعدهم به الله من ضرورته عدم الإيمان ، وعبد الرحمن بن أبى بكر كان من أفاضل المؤمنين. وكما فى علم سيكولوجية الإشاعة ، فإن تتبع الإشاعة من أصول هذا العلم. وفى الخبر أن معاوية كتب لمروان بن الحكم والى المدينة حتى يبايع الناس ليزيد ، فأجاب عبد الرحمن : لقد جئتم بها هرقلية! (نسبة إلى هرقل ملك الروم ، والمراد أن المبايعة لأولاد الملوك كان سنة ملوك دولة الروم ، فهل سيكون المسلمون مثلهم؟) وقال عبد الرحمن : أتبايعون لأبنائكم؟! فقال مروان تسخيفا له واستهزاء به وتشنيعا عليه : وهو (يشير إلى عبد الرحمن) الذى يقول فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (الأحقاف) ، فردّت عليه عائشة : والله (لاحظ أنها أقسمت) ما هو به! ولو شئت لسميت! ولكن الله لعن أباك وأنت فى صلبه ، فأنت فضض!! (يعنى قطعة من لعنة الله). فلنحذر يا أخى أمثال مروان بن الحكم الذين قال الله فيهم محذرا : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١٩) (النور) ، وهدف هؤلاء الطعن فى رموز الإسلام ، وعبد الرحمن بن أبى بكر كان من الرموز ، وكان من رواة الحديث.
٥ ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (٢٩) : قيل : قال ابن مسعود : إن الجن هبطوا على النبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة ، فلما سمعوه قالوا : أنصتوا ، ونزلت الآية إلى قوله : (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢) (الأحقاف).
* * *
١٠٥٩ ـ أسباب نزول آيات سورة محمد
١ ـ فى قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (١) : قيل : نزلت هذه الآية فى اثنى عشر رجلا اشتهروا بالمكارم ، كصلة الأرحام ، وفكّ الأسارى ،