٢٩ ـ وفى قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٦) : قيل : سبب نزول الآية أن القرآن لما نزل به الأمر بتوجيه القبلة إلى الكعبة ، طعن اليهود فى الإسلام ، وقالوا : إن محمدا يأمر أصحابه بالشىء ثم ينهاهم عنه ، فما من أحد وضع هذا القرآن إلا هو ، ولهذا ناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) (النحل) وأنزل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (١٠٦). وفى قوله (نُنْسِها) قيل : كان ربما ينزل على النبىّ صلىاللهعليهوسلم الوحى بالليل ، فينساه بالنهار ، فأنزل الله الآية ، وهذا غير معقول ، لأنه لو كان هذا صحيحا لكان غير مؤتمن على الرسالة ، وقوله «إذا» فيه إثبات أنه ما تبدّلت آية بآية ، ولا نسخت آية بآية.
٣٠ ـ وفى قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٠٨) : قيل : سؤال اليهود لموسى أن يريهم الله جهرة ، والآية نزلت فى سؤال العرب أن يأتى النبىّ صلىاللهعليهوسلم بالله والملائكة ، أو أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، أو ينزّل عليهم كتابا من السماء يقرءونه ، أو يفجّر لهم أنهارا فيتّبعونه ويصدّقونه ، فنزلت الآية.
٣١ ـ وفى قوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٩) : قيل : نزلت الآية فى حيىّ بن أخطب ، وأبى ياسر بن أخطب ، وكانا من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصّهم الله برسول ، وكانا جاهدين فى ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) الآية.
٣٢ ـ وفى قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٩) : قيل : إن الرسول صلىاللهعليهوسلم قبل وقعة بدر ، مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبىّ بن سلول قبل أن يسلم ، ونزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن ، وقال ابن سلول : أيها المرء (يقصد الرسول صلىاللهعليهوسلم) إن كان ما تقول صحيحا فلا تؤذنا به فى مجالسنا ، فارجع إلى رحلك ، فمن جاءك منا فاقصص عليه ، وركب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصار إلى سعد بن عبادة فشكا له ، فقال سعد : بأبى أنت وأمى! اعف عنه واصفح ، فو الذى أنزل عليك الكتاب بالحق ، لقد جاء الله بالحق الذى أنزل عليك ، فنزلت الآية. فلما كانت بدر وانتصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقفل عائدا ومعه أسارى من صناديد قريش ، قال عبد الله بن أبى بن سلول ومن معه عن المشركين : هذا أمر قد توجّه ... يعنى استقر وبانت نتائجه ، فبايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسلموا.