يحتاجونه ، وفى ذلك تكون المجتمعات والأمم والأفراد والدول مراتب ، وتختلف باختلاف الأحوال. وعمل المؤمن يفضل سائر الأعمال ، ومن شرطه أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة. ويعلّمنا الإسلام أن نرضى بالمباح من الأعمال حتى يتهيأ الأحسن والأنسب ، وأن نقبل على المباح عن أن نتبطّل ، أو ننصرف إلى اللهو. والعمل أمان ضد كسر النفس ، وذلّ الحاجة ، وفيه تعفّف عن السؤال. والجزاء عند الله بالعمل ، كقوله : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦) (الطور) ، وقوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (١٣٢) (الأنعام). وبالعمل تعلو الأمم ويستخلفهم الله ، كقوله : (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (١٢٩) (الأعراف) ، وبعض الأمم تشتهر بالمفاسد فى الكون كشأن الأمم الاستعمارية واليهود فى العالم ، وهؤلاء قال الله تعالى فى أشباهها : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) (٧٤) (الأنبياء) ، وليس أخبث منها أمم لا همّ لها إلا أسلحة الفتك والدمار.
* * *
٢٢٤١ ـ للعامل أن يأخذ من عرض المال الذى يعمل فيه قدر حاجته
فعل ذلك أبو بكر وأكل من مال المسلمين قدر حاجته ، وكان الصحابة قد فرضوا له ما يحتاجه بقدر مطلبه. ولما استخلف عمر أكل هو وأهله من مال المسلمين بقدر ما يحتاج ، وكان أبو بكر وعمر قبل أن يستخلفا يحترفان لتحصيل مئونة أهلهما ، ويتّجران فى مالهما حتى يعود عليهما من ربحه بقدر ما يتكلف هو وعياله أو أكثر. ونفهم أن الأجور لا بد أن تكفى العمال لقاء عملهم ، وتكفى احتياجات أولادهم وعائلاتهم ، إعالة ، وتعليما ، وتطبيبا ، وسكنا ، ورعاية ، وإلا فالقاعدة فى الإسلام : أن يأخذ العامل من عرض المال الذى يعمل فيه قدر حاجته ، إن لم يقطع له صاحب العمل أو الحكومة أجرا معلوما متزايدا يكفيه وأهله.
* * *
٢٢٤٢ ـ مصارف الإنفاق ومقاديره
الإنفاق فى الإسلام هو التصرّف عن طواعية ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٢١٥) (البقرة) ، يعنى أن الإنفاق الاجتماعى ينبغى أن يتوجه إلى مواضع الضعف فى تكوين المجتمعات ، ويقال لها مواضع التخلخل الاجتماعى ، فحيثما كانت الحاجة إلى الإنفاق لعلاج آفة اجتماعية ، توجب الإنفاق ، سواء على الدولة أو المجتمع أو الأفراد ، ومن ذلك إعالة الأرامل ، ومصارف التعليم ، والعلاج ، والتدريب على الصنائع ، ومحو الأمية المهنية. فلمّا سألوا