السواد ، وأما الغوغاء فهم السفلة ؛ وفى اللغات الأوروبية هم populace ، أوmob أوpopulaccio ، أوVolk ؛ وفى المصطلح السياسى فإن حكومة أو حكم الرعاع هوmobocracy ، ومثل هذه الحكومة لا تسود إلا بالانقلابات الشعبية ، كالتى كانت أيام الرومان ، وفى الثورة الفرنسية ، الثورة والروسية ، والثورة الصينية ، والثورة المصرية ، ويضيف المقريزى والجبرتى إلى هذا الاسم للحكومة الشعبية ، اسم «حكومة الأوباش» ، فأما القرآن ، فمصطلحه هو الأراذل ، والأرذلون ، كقوله : (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) (الشعراء) ، وقالوا : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) (٢٧) (هود) ، من رذل ورذل رذالة ، أى استحق الاحتقار ، فالأراذل هم المحتقرون ، وهم كذلك بسبب احترافهم للحرف ، ومنهم عند الجبرتى الحمّارون ، والحجّامون ، والحطّابون ، والحمّالون ، والسوقة عموما ، وفى المصطلح الدينى كذلك هم «ضعفاء الأمة» ، من طبقة العبيد ، والموالى ، والرقيق ، والإماء ، والمكاتبين ، والأجراء ، وبالاختصار هم «الشغّيلة» ، والناس بحسب هذا المصطلح إما «مستكبرون» وإما «مستضعفون» ، والمستضعفون : هم الأتباع والأجراء ، والمستكبرون : هم الأسياد. والإسلام دين وثورة ؛ والإسلام الثورة : جاء يخلّص هؤلاء الضعفاء أو المستضعفين ، كقوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٦) (القصص) ، أى أن هدف الإسلام هو : إقامة الميزان الاجتماعى والسياسى على الأرض ، وأن يكون النظام الحاكم هو النظام الذى يمثّل الأغلبية ، وهم الذين دأب المستكبرون العرب على تسميتهم بالأراذل ، والمستكبرون الإفرنج دأبوا على تسميتهم بالرعاع mob ؛ والأراذل فى عهد النبىّ صلىاللهعليهوسلم كانوا «الموالى» ، والموالى هم الرقيق والعبيد والأجراء : كعمّار بن ياسر ، وبلال ، وسلمان ، وصهيب إلخ ، وقد رفض النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يطردهم من صحبته كما طلب كبراء أهل مكة ، بدعوى خساسة أحوالهم وأشغالهم ، ولما دعا نوح مثلا لنفسه قال : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٨) (الشعراء) ، يقصد «الأراذل» ، وهم الذين آمنوا به دون غيرهم ، وقال فيهم : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٢) (الشعراء) ، فالداعية لا يسأل عمّا يعمل الذين يتّبعوه ، وإنما هو مكلّف بدعوتهم إلى ما يدعو إليه ، والاعتبار بأن يؤمنوا بدعوته ، وليس بالحرف والصنائع التى يمتهنونها ، وكأن كل هؤلاء الناقدين فى القديم والحديث ، يتوجّه نقدهم لأشياع الثورة ، سواء كانت دينية أو دنيوية ، سياسية أو اجتماعية ، بأنهم ضعفاء يطمعون فى العزّة والمال. والناس يحاسبون عند الله لا بحجم ثرواتهم ، ولا بأنسابهم ، ولا بصنائعهم ، وإنما بإيمانهم وبأعمالهم الصالحة فى خدمة إعمار الكون ، ولم يحدث فى التاريخ كله أن طردت جموع