شمّاس ، رفض أن يفسح مكانا لأحدهم ، وقال ابن فلانة؟! فطلب منه الرسول صلىاللهعليهوسلم أن ينظر فى وجوه الناس ، وسأله : ما رأيت؟ قال : رأيت أبيض وأسود وأحمر. فقال : «فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى»! فنزلت الآية فى ثابت ، كما نزل فى الرجل الذى لم يتفسّحوا له : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (١١) (المجادلة) ، ففي الآية الأولى : رفض للعنصرية ، وأن معيار المفاضلة هو التقوى أى البرّ ، وفى الآية الثانية المعيار هو الإيمان والعلم. والقرآن لا يدعو إلى المساواة بين الناس عشوائيا ، فهناك مفاضلة ، وهناك الفاضل والأفضل ، ولكن وجه الفضل ليس المال أو الحسب والنسب ، وإنما هو خشية الله ، والعمل الطيب ، والعلم ؛ والهرم الاجتماعى فى الإسلام لا يقوم الأغنياء وأصحاب السلطة على قمته ، وإنما المؤمنون الأتقياء ، العاملون فى صلاح الناس ، والدائبون على العلم يتعلمونه ويعلّمونه ؛ والحكومة المناسبة التى يدعو إليها القرآن ، هى هذه الحكومة التى هذا المعيار هو معيارها ، واليوتوبيا الإسلامية أساسها ثلاثة لا رابع لها : الإيمان ، والعلم ، والعمل ؛ فلا شعوبية ولا عنصرية فى القرآن ، ومن ثم فى الإسلام. ولما كان فتح مكة ، اعتلى بلال ظهر الكعبة فأذّن ، فقال أحدهم ـ وهو بن أسيد بن أبى العيص : الحمد لله الذى قبض أبى حتى لا يرى هذا اليوم! وقال الحارث بن هشام : ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذّنا؟! وقيل كلام كثير من غيرهم ، وبلغ الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فدعاهم فأقرّوا ، فنزلت الآية تزجر عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء ، وتجعل رأس الأمر فى التقوى ، وقد كذب اليهود عند ما ادّعوا أنهم الأصلح بلا سبب ، وكذبوا لما قالوا : حتى لو فعلوا الشرّ فهم الأفضل! وكذبت الأناجيل لمّا جعلت الكنعانية أقل شأنا من الإسرائيلية ، لا لشىء إلا لأن الأولى كنعانية ، والثانية عبرانية! وكذب من قال بعلو الجنس الأبيض ، أو الجنس الآرى ، عن كل الأجناس ، وانظر إلى تعاليم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين يقول خطيبا فى أهل مكة : «يا أيها الناس : إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل برّ ، تقىّ ، كريم على الله ؛ وفاجر ، شقىّ ، هيّن على الله ، والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣) (الحجرات) ، فجعل الرسول صلىاللهعليهوسلم الجاهلية بمعنى الحضارة العنصرية ، وهى الحضارة النصرانية الأوروبية الأمريكية الآن ـ حضارة العولمة ، ونبّه إلى عيبة هذه الحضارة الجاهلية : الاستعلاء والاستكبار العنصريين. ونادى الرسول صلىاللهعليهوسلم بإعلانه العالمى universal declaration لحقوق الإنسان ، وأسمّيه البيان أو البلاغ أو المانيفستو الإسلامى Islamic manifesto ، قال : «يا أيها الناس ، ألا إن ربّكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربىّ على عجمىّ ، ولا لعجمىّ