أى الحجر الأسود ، وعندئذ اختصموا ، فكانت كل قبيلة تريد أن يكون لها دون غيرها رفع الحجر إلى موضعه ، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدىّ بن كعب ، وقرّبوا جفنة مملوءة دما ، أدخلوا أيديهم فيها ، فسمّوا «لعقة الدم» ، وأقسموا أن يحظوا لأنفسهم بهذا الشرف ، واحتدم الخلاف لمدة أربعة أو خمسة أيام ، ثم اجتمعت القبائل كلها فى الحرم يتشاورون ، واتفقوا أن أول من يدخل من باب البيت الحرام يقضى بينهم ، فكان ذلك الداخل هو النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فاقترح عليهم ثوبا ، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا. ففعلوا ، حتى إذا بلغوا موضعه ، وضعه بيده ثم بنى عليه. وفى الآية : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٩٦) (آل عمران) ، و «بكة» اسم سريانى بمعنى المدينة ، ومن ذلك «بعلبك» فى لبنان وهى «مدينة بعل» ، والعرب تجعل بكة من أسماء مكة ، ومعنى الاسم كما قالوا. أنها تبكّ أعناق الظلمة والجبابرة ، يعنى أنهم يذلّون بها ويخضعون ؛ أو أنها بكة لأن الناس تبكّ فيها ، أى تزدحم فى موسم الحج. وقيل بكة هى موضع البيت ، وما سوى ذلك مكة ، وللبيت أسماء عدة ، منها «البيت المعمور» (الطور ٤) ، «والبيت الحرام» (المائدة ٩٧) ، «والبيت المحرّم» (إبراهيم ٣٧) ، والأول : قيل بيت فى السماء تعمره الملائكة ، غير أن سياق السورة لا يوحى بذلك ، فقبل ذلك يأتى عن «جبل الطور» الذى كلّم الله عنده موسى ، وعن «الكتاب المسطور والمنشور فى الرّق» ، وهو «كتاب القرآن» ، أى «المصحف» ، والطور والمصحف من العينيات التى مكانها الأرض وليس السماء ، ومن ثم كان «البيت المعمور» هو أيضا اسم من أسماء البيت الحرام الذى نعرفه ونعاينه على الأرض ، وهو «معمور» بالناس يحجّون إليه من كل مكان ، والمقصود به الكعبة ؛ وهو أيضا «المسجد المحرّم» ، و «المسجد الحرام» ، حرّم الله فيه ارتكاب المعاصى ، سواء للعاكف ، يعنى من أهل مكة ، أو البادى ، أى من غير أهل مكة ، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم يذيقه الله أشدّ العذاب (الحج ٢٥) ، بمجرد أن يهمّ فيه بارتكاب المعصية عن قصد أو عن شرك ، أو أن تستحل فيه الحرمات. وقوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) (٢) (المائدة) ، الآمّون هم المتّجهون إلى بيت الله الحرام الذى من دخله كان آمنا ، وكذلك من قصده طالبا فضل الله وراغبا فى رضوانه ، فلا يمنع ولا يصدّ. وفى البيت الحرام لا يؤتى الظلم ، ولا القتل ، ولا يلحد فيه ، ولا ينكر الله. وهذا البيت المقدور له أن يكون معمورا أبد الآبدين ، أرشد الله إليه إبراهيم. وقوله تعالى (بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ) (الحج) استدل بها البعض على أن «إبراهيم أول من بنى البيت». ومن أسمائه أنه (الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج ٣٣) ، أى القديم الموغل فى القدم ، قيل : إنه أول بيت بنى لله فى العالم أجمع. وفى قوله : (لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢٦) (الحج) قرن الطواف بالصلاة فى البيت ولا يقترنان إلا فيه.
* * *