فى نفسه ، ونجاحه فى مهمته ، وتمرسه على مخاطبة الشعب ومواجهة الصعاب. ومن تقواه وشكره لربّه تسبيحه الذى قال فيه : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) (٣٣) (طه). وقال موسى مسبحا هذه التسبيحة لمّا شاهد عظمة الله ونجاته به ، وسبّح خلفه بنو إسرائيل ...
* * *
٨٢٦. تسبيحة موسى
قال موسى فى تسبيحته ، وقال وراءه بنو إسرائيل : «أسبح الربّ فإنه قد تعظّم بالمجد. الفرس وراكبه طرحهما فى البحر. الربّ عزّى وتسبيحى. لقد كان لى خلاصا. هذا إلهى فإياه أمجّد. إله أبى فإياه أعظّم. الربّ صاحب الحروب ، الربّ اسمه. مراكب فرعون وجنوده طرحها فى البحر ، ونخبة قواده غرقوا فى بحر القلزم ، غطّتهم اللّجج فهبطوا فى الأعماق كالحجارة. يمينك يا ربّ عزيزة القوة. بيمينك يا ربّ تحطّم العدو. وبعظمة اقتدارك تهدم مقاوميك. تبعث سخطك فيأكلهم كالعصافة. وبريح غضبك تراكمت المياه وانتصبت كأطواد مائعة ، وجمدت اللّجج فى قلب البحر. قال العدو أرهق ، أدرك ، أقسّم غنيمة ، تشتفى منهم نفسى ، اخترطهم بسيفى. تقرضهم يدى. بعثت ريحك فغشيهم اليم وغرقوا كالرصاص فى غمر المياه. من مثلك فى الآلهة يا ربّ! من مثلك جليل القدس ، مهيب التسابيح ، صانع المعجزات ـ مددت يمينك فابتلعتهم الأرض. هديت برحمتك الشعب الذين فديتهم ، أرشدتهم بعزّتك إلى مأوى قدسك. سمعت الأمم فارتعدت ، وأخذ الرعب قاطنى فلسطين. حينئذ دهش زعماء أدوم ، أقوياء موآب أخذتهم الرعدة ، وماج كل سكان كنعان. تقع عليهم الرعدة والهلع. بعظمة ذراعك يبكمون كالحجارة حتى يجوز شعبك. يا ربّ ، حتى يجوز الشعب الذى ملكته. تأتى بهم فتغرسهم فى جبل ميراثك ، فى الموضع الذى أقمته. يا ربّ ، لسكناك المقدس الذى هيأته يداك يا ربّ. الربّ يملك إلى الدهر والأبد. إذا دخلت خيل فرعون ومراكبه وفرسانه البحر ، ردّ الربّ عليهم مياه البحر. وأما بنو إسرائيل فساروا على اليبس فى وسط البحر» (الخروج / ١ ١٥ ـ ١٩).
وكما ترى فهذه ليست تسبيحة وإنما هى شكر للربّ وثناء عليه لنصرة بنى إسرائيل ، واسمه تعالى «الربّ» اسم عادى لا جديد فيه ، ولا خصوصية ، ولا وحى. وما تسمّيه التوراة تسبيحة من إنشاء موسى عبارة عن تمجيد للقوة ، ورفع لمعنويات شعب إسرائيل ، وبثّ للرعب فى نفوس الأعداء ، وإضفاء الغيبية على الدنيوى ليتقدّس الدنيوى ، وتصبح الحرب مقدسة ، ونتائجها ربّانية ، وإظهار أن الشعب يقاتل معه الربّ فلا أقل من أن ينال