وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه ٣٩) ، أى تصنعك التجارب برعايتى ، حيث جعله فى التابوت ، وألقى التابوت فى البحر ، والتقطته جوارى امرأة فرعون ، وأنزل محبته فى قلبها حتى قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) (القصص ٩) ؛ وقول موسى بعد أن قتل : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (القصص ١٦) عبارة ندم تحمل على الاستغفار ، والأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم.
* * *
٨١٨. أربعينية موسى
الأربعينية من آثار موسى ، يقول تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٥١) (البقرة) ، وكان الله تعالى قد واعد موسى بعد أن جاوز وقومه البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من الله ، فأخذ سبعين منهم وصعدوا الجبل وكان ميقات الله له أن يأتى إليه ويبقى مع الله ثلاثين ليلة ، فلما صعد من بعد بحسب الميقات عدّوا له ثلاثين ، ولكنه غاب عشرا أخرى ، فظنوه قد أخلف وعده وصنعوا العجل وعبدوه ، قال : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف ١٤٢). وهذه الأربعون هى التى تحدّث فيها الصوفية وجعلوها رياضتهم ومعتزلهم من الناس ، وزهدهم فى الطعام والمنام ، وإقبالهم على الذكر ، وفى الحديث : «من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» ، والصوفية يختارون للأربعين ذا القعدة وعشرا من ذى الحجة. وإعذار موسى بالعشر بعد الثلاثين أصل لأعذار الحكام إلى المحكوم عليهم ، والله قد جعل سنن الأربعين إعذارا بالشيب ، قال : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) (الأحقاف ١٥) ، وغاية الأعذار ستين ، لأن الستين هو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله ، وترقّب المنية ، ففيه أعذار بعد إعذار. وأربعون الميت أعذار ، وكذلك أربعون النفساء ، وأصل كل ذلك أربعون موسى.
* * *
٨١٩. أوتى موسى وهارون الفرقان وضياء وذكر
قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨) (الأنبياء) ، والفرقان : هو التوراة ، لأنه يفرّق بين الحلال والحرام ، والحق والباطل ، وهو ضياء وذكر يعنى نورا وهدى يذكّر المتقين ويعظهم. وبالطبع هذا الكلام هو عن التوراة قبل أن يعفى عليها الزمن وتضيع أصولها ، فينبرى عزرا يكتب ما يذكره وأعوانه منها ، ويشملها تحريفهم وتلفيقاتهم وتأليفاتهم لما لم يذكره ، ولما أرادوا إضافته.
* * *