للكهنة ، ونصّب وأولاده الأربعة وألبسوا لباس الكهنة. واستمرت خدمته للدين أربعين سنة. ولم يكن هارون يعجبه موسى ، كما أن موسى كان يعانى كثيرا من هارون. وهارون كان أقرب للشعب من موسى ، وانضم أهل موسى إلى هارون متمردين على موسى ، ولمّا تزوج موسى الكوشية (الحبشية) ، تمرّد عليه هارون هو وأخته مريم ، وادّعيا أن الله يأتيهما كما يأتى موسى ، وأصيبت مريم بالبرص من أجل أنها كذبت ، فاسترحم هارون أخاه ليدعو ربّه أن يشفيها ، واعترف بخطئه. ثم إن بنى قورح خرجوا على هارون ، وانقذه منهم أن انشقت الأرض وابتلعتهم. وكان آخر أخطائه أنه وموسى لم يقدّسا الربّ فى أواخر عمرهما! وصار هارون عبثا على موسى ، فأخذه ابنه إلى الجبل ، ورسّم الابن بدلا من أبيه ، ونزل موسى والابن بدون هارون ، وقالا إنه مات! وفى التلمود أن موسى قتل هارون ، وشاركه فى القتل ابن هارون! وشكّ الشعب فى موسى ، وأظهر الحزن على هارون ، ولمّا توجّهوا إلى فلسطين لم يصحبوا موسى إظهارا للغضب ، فلم يتهيأ لموسى أن يرى الأرض الجديدة. والخلاف بين قصتى التوراة والقرآن كبير ، فهارون فى القرآن كان يوحى إليه : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١٦٣) (النساء) ، على عكس رواية التوراة. وفضله فى صنع التابوت وتهيئته لا ينكر ، وله اليد الطولى فى ذلك هو وأبناؤه وذريته : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) (البقرة ٢٤٨) ، والتابوت هو تابوت العهد ، وهو صندوق كانت به عصا موسى وعصا هارون ، ولوحا العهد عليهما الوصايا العشر ، وكتب التوراة. ويصف القرآن هارون بأن الله قد هداه ، وأنه من نسل إبراهيم ، وكان من المحسنين : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٤) (الأنعام). ولم يفرّق سحرة الفرعون بين موسى وهارون فكلاهما واحد ، فلما آمنوا أعلنوا إيمانهم بربّ موسى وهارون ولم يقولوا بربّ موسى وربّ هارون : (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (١٢٢) (الأعراف). ويبدو أن موسى كان يعرف هنات أخيه هارون ، فلما قصد الجبل أوصاه : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١٤٢) (الأعراف) فهاتان وصيتان أوصى بهما موسى هارون : أن يصلح ، وأن لا يتّبع المفسدين. وفى الحديث أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال لعلىّ بن أبى طالب : «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبىّ بعدى» أخرجه مسلم ، وهذه المنزلة هى منزلة الخلافة ، قال موسى لهارون : «اخلفنى فى قومى» ، وهذا الحديث لذلك تكأة الشيعة فى استحقاق