وقال : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٨٥) (الأنبياء) وإذن فإلياس بخلاف إدريس. وقيل إنه أخنوخ فى التوراة ، والصحيح أن قصة إدريس فيها من قصة إلياس ، ولكن إلياس فى القرآن ليس إدريس بالتأكيد. وما ورد فى القرآن فى صفات إلياس لا ينطبق حتى على إيليا ، ولا نفيد شيئا من قصة إيليا فى التوراة رغم طولها ، وعكس ذلك فى القرآن ، فمن طريقته الإيجاز والإجمال فى القصص ، والمهمّ فى القرآن هو : الموعظة والمستفاد من القصة ، أو من إيراد اسم هذا النبىّ أو ذاك باعتبار ما دعا إليه وجاهد من أجله ، وأن ما نزل من القرآن على محمد يصدّق ما بين يديه ، يعنى ما جاء قبله. والبعل الذى ورد فى قصة إيليا قال فى معناه ابن عباس : إنه الربّ ، وقال غيره هو لغة أهل اليمن عما كانوا يعبدونه ، وقال آخرون إنهم كانوا يعبدون امرأة اسمها بعل ، وقيل هو اسم صنم كان يعبده أهل بعلبك ، وفى الآية : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) (الصافات ١٢٥) أى أتعبدون صنما؟ والصحيح أن البعل اسم سامى معناه ربّ أو سيد أو زوج ، والجمع فى العبرية بعليم ، وفى الاصطلاح هو إله كنعانى ، وكان ابن الإله إيل ، وزوج الإلهة بعلة ، المسماة أحيانا عشيرة ، أو عنات ، أو عشتاروت ، ويعرفونها أحيانا باسم هدد ، وكان إله المزارع وربّ الخصب فى الحقول وفى الحيوانات والمواشى. وكانوا مولعين بعبادته ويضحّون بالذبائح البشرية له (إرميا ١٩ / ٥) ، ويبنون له المبانى الضخمة ، ومن ذلك مدينة «بعلبك» فى لبنان ، ومعنى الاسم «مدينة البعل». والإسرائيليون عبدوه وجعلوه من آلهتهم (ملوك أول ١٨ / ١٧ ـ ٤٠ ، ويشوع ٢٢ / ١٧ ، وعدد ٢٥ / ٣ ، ٥ ، ١٨ ، والمزامير ١٠٦ / ٢٨ ، وتثنية ٤ / ٣). وكانت دعوة إيليا الذى يقال إنه إلياس ـ ضد البعل ، باعتبار الله تعالى أحسن الخالقين ، أى المستحق وحده للعبادة ، لأنه الخالق الأول الذى يردّ إليه كل الخلق ، وما خلقه هو الأحسن والأفضل ، وليس باستطاعة أحد مجاراته ، وكان إيليا أو إلياس ، ملحا فى دعوته حتى أن الملك أخاب لما التقى به قال : أأنت إيليا مقلق إسرائيل؟ فذهبت مثلا. وكانت إيزابيل قد أكثرت من قتل الأنبياء ، فكان الأحرى بإيليا أن يخاف ، ولكنه طلب من الملك المباهلة : وهى أن يستحضر أنبياء البعل الأربعمائة والخمسين ، ويواجههم إيليا وحده ، لأنه لم يعد من أنبياء الله سواه ، ويؤتى بثورين يذبحان ويقطعان ولا يوقد تحت أى منهما بنار ، وإنما يدعو أنبياء البعل على إلههم ، أن يتقبل قربانهم ويشوى الثور ، وفعلوا ذلك ، ولم يحدث شىء ، وجاء دور إيليا ، فأعد محرقة كما ينبغى ، ووضع لها الحجارة والحطب والماء ، ونضد لحم الثور على الحطب ، ودعا ربّه فاستجاب له ، وهبطت نار الربّ وأكلت قربانه بحطبه ومائه وحجارته ، فهتف الشعب : الربّ هو الإله! وأمر إيليا بالقبض على أنبياء البعل ، وأنزلهم إلى نهر