الشرقية الآن). وتقول التوراة بعد ذلك : إن إسماعيل رعا أباه إبراهيم فى شيخوخته ، فلمّا مات دفنه ولداه إسماعيل وإسحاق فى مغارة المكفية. وكان أولاد إسماعيل اثنى عشر ولدا ، وعاش مائة سنة وسبعا وثلاثين ، وكانت مساكنهم من حويلة إلى شور التى تجاه مصر (التكوين ٢٥ / ٩ ـ ١٨).
فهذه قصة هاجر وإسماعيل كما روتها التوراة ، وفيها أن بئر زمزم فى برية بئر سبع من فلسطين ، غير أن فاران فى القصة ـ قيل هى مكة وما حولها ، وفى فاران فعلا كانت مساكن أولاد إسماعيل وليس فى بئر سبع ، واشتغل أولاد إسماعيل بالتجارة وكثروا جدا ، ومنهم من استوطن مصر فى أرض جاشان ، وفى سيناء ، وفى فلسطين حتى سوريا والعراق ، وهؤلاء هم «الإسماعيليون» ، وهم الذين عثروا من بعد على يوسف فى البئر ، واشتروه بدراهم معدودات ، وباعوه لعزيز مصر صاحب جاشان.
* * *
٧٧٨. اسم هاجر يعنى المهجورة
اسم «هاجر» عبرانى ، من الهجرة ، فهاجر يعنى المهاجرة أو أنها المهجورة ، سمّوها كذلك ولم يعطوها اسما كخلق الله ، لأنها عندهم من الأعراب ، أو لأن إبراهيم هجرها بعد أن أولدها إسماعيل ، وأما عند المسلمين فهى «أمّ إسماعيل» ، ويبدو أن الهجر أو الهجرة كتبت على هاجر ، فقد تركت بلادها فى مصر فى أرض جاشان ، وتركها أهلها ، والتحقت فى خدمة سارة ، إلى أن تزوّجها إبراهيم ، وأولدها إسماعيل ، فغارت منها سارة ، وعملت على طردها ، فهجرها زوجها ، فكانت هجرتها للمرة الثانية ولكن إلى مكة ، فكأنها عاشت عمرها كله مهاجرة ومهجورة. ومؤلفو التوراة أطلقوا عليها هذا الاسم تقليلا من شأنها ، وما ينبغى للمسلمين أن يجاروهم عليه ، بل يسمونها «أم إسماعيل» ، وكذلك ينبغى الكفّ عن ترديد أنها جارية ، ففي التوراة أن إبراهيم تزوّجها (التكوين ١٦ / ٣) ، فلما ذا يرددون دائما أنها أمة؟ وأن إسماعيل هو ابن الأمة؟ حتى بولس فى النصرانية ، ميّز بين الأمة والحرّة ، وقال : «فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان ، أحدهما من الأمة ، والآخر من الحرّة ، غير أن الذى من الأمة ولد بقوة الجسد ، وأما الذى من الحرة فبقوة الموعد ، وإنما هو رمز للوصية ، إحداهما من طور سيناء تلد للعبودية ، فهى هاجر ، فإن سيناء هو جبل فى ديار العرب ، ويناسب أورشليم الحالية الحاصلة فى العبودية مع بنيها ، وأما أورشليم العليا فهى حرة ، وهى أمّنا» (غلاطية ٤ / ٢٢ ـ ٢٦) ، ثم يستطرد بولس فيقول ما يندى له الجبين ويخجل منه أى متعلم : «لأنه كتب : افرحى أيتها العاقر التى لم تلد. اهتفى واصرخى أيتها التى لم