٧٧٢. دليل آخر أن الذبيح هو إسماعيل
فى القرآن عن الغلام الحليم الذى بشّر به إبراهيم : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢) (الصافات) ، وصفة «الصبر» لم يوصف بها إسحاق ، وإنما وصف بها إسماعيل ، قال تعالى : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٨٥) (الأنبياء) ، والصبر المشار إليه هو صبره على الذبح. ولم يوصف إسحق إلا بالهدى والصلاح والنبوة ، قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) (الأنعام ٨٤) ، وقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) (٧٢) (الأنبياء) ، وقال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) (الصافات). وكما أن صفة الصبر ارتبطت بإسماعيل بالذبح ، فكذلك صفة صدق الوعد ارتبطت الذبح ، قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) (مريم ٥٤) ، لأنه وعد أباه الصبر على الذبح فوفّى به.
* * *
٧٧٣. مكة دليل على أن الذبيح إسماعيل
إن الذى بنى البيت مع إبراهيم هو إسماعيل ، وكان ذلك بمكة ، والمنحر بمكة ، وإسماعيل كان بمكة ، فكيف يكون الذبيح هو إسحاق الذى يسكن الشام؟ وكيف صار الحج والتضحية والذبح والطواف والسعى ورمى الجمار فى مكة إذن ولم يكن فى الشام؟ فمن يقل إن الذبيح لم يكن إسماعيل لا بد أنه إمّا مغرض ، وإمّا فاقد العقل والتمييز ، ومن الغريب أن مكان ذبح إسماعيل مؤكد عند المسلمين ، ومكان ذبح إسحاق غير مؤكد عند اليهود! تقول التوراة : «وامض إلى أرض مورية وأصعده ، هناك محرفة على أحد الجبال الذى أريك» (التكوين ٢٢ / ٢) ، فأيهما نصدق : مكان الذبح المحدّد فى مكة ، أم مكان الذبح المجهّل؟ وهل يمكن أن تمر حادثة كهذه مرّ الكرام فى حياة أمّة كما هى عند اليهود ، إلا لو كانت الحادثة مزعومة ولم تقع أصلا ، وليست سوى فرية؟!
* * *
٧٧٤. وباركنا عليه دليل أن الذبيح إسماعيل
بعد أن ذكرت الآيات قصة الذبيح جاء فيها : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (١٠٨) (الصافات) ، أى أبقينا على إسماعيل الذبيح الثناء الحسن إلى يوم الدين ، والذى قال أن «عليه» تعود على إبراهيم أخطأ ، لأن إبراهيم كان بصدد ذبح ابنه بناء على حلم رآه ، فأى ثناء يستحقه؟ وإنما الذى يستحق الثناء هو هذا الصبى ابن الثالثة أو الرابعة