ضمنا هى التى أرسلها إليه لاستحضاره وهى الكبرى صفورة ، وهى التى خاطبته أن أباهما شيخ كبير ، وأنهما لا يسقيان حتى يصدر الرعاء ، وكثير من المفسرين قالوا إنها الصغرى وهذا غلط غالبا ، لأن الكبرى هى الأكثر حنكة ودراية ، وهى مشيرة أبيها الأمينة ، ولا يعتد باسمها صفورة يعنى العصفورة أنها الصغرى ، وواضح أن موسى دخل على امرأته بعد الاتفاق وحين العقد ، وكان صداقه رعيه الغنم وشروعه فى الخدمة ، والرعى والسّقى والحرث مسمى الخدمة ، والأجل حدّده شعيب ثمانى حجج ، فإن أتمّ موسى عشرا فمن عنده ، أى أنه وكل الاثنتين الزيادة إلى مروءة موسى ، ومن هذه المدة عرفنا أن العقد ثمانى أو عشر سنوات. وقام زواج موسى من ابنة شعيب على الكفاءة ، والكفاءة هى المعتبرة فى النكاح ، ويصح جواز الموالى كموسى إن تحقق الأب من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك. ولم يشهد النبيّان على عقدهما أحدا من الخلق ، وكان شاهدهما الله ، فقالا معا : «والله على ما نقول وكيل» ، وينعقد النكاح فى هذه الحالة دون شهود ، لأن عقده عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه الإشهاد وإنما الإعلان والتصريح. وقوله : «فلما قضى موسى الأجل» ، فيه أنه قضى الأجل الأبعد ، لأنه أجل المروءة ، وقضى عشر سنوات فى خدمة شعيب ، «وسار بأهله» يعنى ذهب بزوجه وولديه وخرج من مدين ، وفى ذلك دليل على أن أهل الرجل تتبعه حيثما ذهب لما له من فضل القوامية.
فهذه هى الفوائد فى قصة شعيب مع موسى فى القرآن ، وليس منها شىء فى قصة التوراة ، والتوراة فى قصة موسى مع شعيب كالأرض الجرداء تخلو من الخير ولا تزوّد بإفادة. ويقول تعالى مخاطبا موسى : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) (طه ٤٠) ، والسنين هى السنوات العشر التى قضاها وفاء لعقده مع شعيب ، وذلك قوله تعالى : «فلما قضى موسى الأجل» ، و «الفاء» عاطفة تفيد الترتيب والتعقيب ، و «لما» حرف وجود لوجود ، أو وجوب لوجوب ، أو ظرف لفعل وقع لوقوع غيره ، ولذلك فمدة إقامة موسى بمدين لم تكن أربعين سنة كما تقول التوراة! ولكنها بالتأكيد عشر سنوات لا غير!
وأمّا قصة شعيب مع أهل مدين ، فإنهم كانوا أهله وفيهم عشيرته ، ولذا قال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) (الأعراف ٨٥ ، وهود ٨٤ ، والعنكبوت ٣٦) ، ومدين بقرب «معان» من طريق الحجاز ، ولذا قيل شعيب عربى ، وكذلك صالح وهود وإسماعيل ، اعتمادا على أن مدين من جزيرة العرب ، وهذه حجة لا يعتد بها ، فقد كانت خيبر من جزيرة العرب وكان أهلها يهودا ، وكذلك كانت لليهود قبائل وقرى فى اليمن ولم يكونوا يمنيين. ولا ذكر فى التوراة لما كان شعيب (يثرو) يحدّث الناس به ، وكما قلنا : لم تكن له دعوة ، إلا أنه