الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦) (الإسراء). والكلام فى أسماء هؤلاء التسعة ، وهم الرؤساء ، نوع من الرجم بالغيب ، ولا تنضبط الرواية فيهم ، وكلها من باب التخمين ، ولا يعلم أسماءهم إلا الله ، وإلا وهب بن منبه ـ هذا اليهودى الذى أسلم وملأ كتب تفسير القرآن بالإسرائيليات ، قال : أسماؤهم : الهذيل بن عبد ربّ ، وغنم بن غنم ، ورياب بن مهرج ، ومصدع بن مهرج ، وعمير بن كردبة ، وعاصم بن مخرمة ، وسبيط بن صدقة ، وسمعان ابن صفى ، وقدار بن سالف ، وهؤلاء التسعة لمّا أعياهم أمر صالح تآمروا عليه ، والأشرار دائما أغبياء ، ولو كان التسعة على شىء من ذكاء ، لقارعوا الحجة بالحجة ، ولكن الطريقة السهلة للشرير الغبى هى اللجوء للقتل ، وهو إعدام للخصم وجوديا ، ظنا بأن الحال سيبقى بعد قتله على ما هو عليه ، غير أن ظهور النبوّات ، وخروج المفكرين والمصلحين بالثورات ، لا يكون دائما إلا بعد نضوج مواصفات التغيير فى المجتمع ، وسواء كان على يد صالح أو غير صالح ، فسيتم ذلك إن آجلا أو عاجلا.
والتسعة الأشرار ، أو عصابة التسعة ، تقاسموا أن يبيّتوا لصالح ولأهله ، والتبييت : هو المباغتة ليلا ، والإجهاز عليهم وقتلهم ، فإذا سئلوا ، يتعلّلون لمن يطالب بالثأر لصالح ، أنهم ما كانوا حاضرين ، وهو ما يسميه أهل القانون «إثبات الغياب عن مسرح الجريمة وقت ارتكابها». وهؤلاء التسعة وأرهطهم هم أنفسهم الذين دبّروا قتل الناقة ، فلمّا أنذرهم صالح بالعذاب وأمهلهم ثلاثة أيام ، قدّروا أن يتخلصوا منه ، ومكر الله تعالى بهم كما مكروا بصالح والناقة ، وما كان لهم أن يأمنوا مكر الله وله المكر جميعا ، والمكر لا يحيق إلا بأهله ، فلم يشعروا بما يحاك لهم ، فجاءتهم الصيحة بغتة فأهلكتهم أجمعين ، ودمّروا تدميرا ، وهلك التسعة فيمن هلك ، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ، وقد خلت الحجر عن أهلها ، وصارت العمائر خرابا وآثارا لا يسكنها ساكن ، وفى ذلك آية لقوم يعلمون ويستخلصون العظات والعبر ، ونجىّ الله الذين آمنوا بصالح ، وكانوا من المتّقين ؛ وقيل رجما بالغيب إنهم كانوا نحو أربعة آلاف ، وقيل أيضا بلا سند ولا مرجع : أن قتل الناقة كان يوم أربعاء ، وأن هلاك من هلك كان يوم أحد ، وأن الصيحة جاءتهم صحوة ، وكان صالح قد خرج بمن معه إلى حضرموت ، ومات هناك ، فسميت لذلك حضرموت! وبنى من بقى من ثمود مدينة إلى جوار حضرموت سميت على ما قيل «حاضورا». وهكذا تنتهى قصة التسعة باندحار الشرّ ، وإفلاس الأشرار ، وانتصار قوى الخير وجنود الله ، والعاقبة دائما وأبدا للمتّقين ، ولعل أعداء الإسلام الآن يبلسون كما أبلست عصابة التسعة ، وندعو الله أن ينصر المسلمين ، والحمد لله رب العالمين.
* * *