فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (٧٩) : أن صالحا كان أخا لهم ، يعنى من ثمود نفسها ، وأن دعوته كانت التوحيد ، وأن بيّنته كانت الناقة جعلت آية ومعجزة ، وسيّبت حرة لله تدرّ لبنها على من يطلبه من فقرائهم ومستضعفيهم ، وهؤلاء كانوا المصدّقين والمؤمنين ، بينما الأغنياء استكبروا وكانوا عاتين ، وعقرا الناقة نكاية فى صالح ، وفى الفقراء والمستضعفين ، لأنهم صدّقوا صالحا ، وكانت الناقة تدرّ عليهم لبنها وتسقيهم ، وتحدّوا صالحا أن يأتيهم عذاب الله ، فارتجت الأرض من تحتهم وتزلزلت من قبل أن تأتيهم الصيحة ، وفرّوا إلى بيوتهم يخلدون فيها منتظرين ، وصالح يزعق فيهم : لقد أبلغتكم رسالة ربّى ونصحت لكم ولكنكم لا تحبون الناصحين ؛ وفى سورة الفرقان فى قوله : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) : أن المكذّبين من الأمم القديمة لم يقتصروا على عاد وثمود وغيرهم ممن ذكرنا ، ولكنهم كانوا كثيرين ، وإنما الذين ذكروا بأسمائهم كانوا لضرب الأمثال ، وجميعهم تبّروا تتبيرا وأهلكوا هلاكا ؛ وفى سورة الشعراء فى قوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٥٨) : أن المرسلين إلى ثمود لم يقتصروا على صالح وإنما أبرزهم صالح ، ووعظهم بالحسنى ، وذكّرهم أنه لا يطلب منهم عطاء ، ولا مالا ، ولا جاها ، فأجره على الله. وحذّرهم أن الله لن يتركهم هكذا يرفلون فى النعيم ولا يعرفون الفضل له ، فلقد أعطاهم الكثير ، فبساتينهم وارفة ، ومجاريهم عامرة بالماء ، وزروعهم صحيحة ، ونخلهم وافر الغلة وتمره حلو المذاق ، وبيوتهم فارهة بنوها من صخور الجبال ، فكان عليهم أن يؤمنوا ويشكروا ولا يطيعوا المسرفين منهم ، الذين أعملوا فى الأرض الفساد ولا يصلحون ، فاتهموه بأنه مسحور مضيّع العقل ، وأنه لا يعدو أن يكون بشرا مثلهم ، وأولى به أن تكون له آية ، إن كان صادقا ، فكانت آيته الناقة ، لها شرب فى يوم معلوم ولهم شرب ، واشترط أن لا يمسوها بسوء وإلّا نالهم عذاب يوم