١١٥. (ما كانَ) تأتى على وجهين فى القرآن
تأتى «ما كان» مرة على النفى ، كقوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (٦٠) (النمل) ، وقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (١٤٥) (آل عمران) ، وتأتى مرة بمعنى النهى ، كقوله : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٥٣) (الأحزاب) ، وقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (١١٣) (التوبة).
* * *
١١٦. كل شىء فى القرآن قتل فهو لعن
هذا قول ابن عباس ، ومنه قوله تعالى (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) (الذاريات) يعنى لعن الكذّابون المرتابون ، يقصد بهم الذين ينكرون البعث ؛ ومنه قوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (٢٠) (المدثر) ، يحكى عن الوليد بن المغيرة المخزومى ، أنه فكر فى أمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وقدّر فى نفسه الردّ عليهما ، فملعون هو لعنا بعد لعن على ما فكر وقدّر ، كيفما كان تفكيره وتقديره ؛ ومنه قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤) (البروج) ، وأصحاب الأخدود هم يهود نجران ، من أصحاب ذى نواس الذى أحرق نصارى نجران عند ما رفضوا أن يتهوّدوا ، وقوله : «فقتلوا دعاء عليهم ، بمعنى لعنوا ؛ ومنه قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) (عبس) ، نزلت فى عتبة بن أبى لهب ، وقد كان آمن وارتد ، فأنزل الله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) ، أى لعن عتبة بكفره بالقرآن. وقال ابن عباس : ما كان فى القرآن «قتل الإنسان» فإنما عنى به الكافر. ولا أدرى لما ذا قال ابن عباس ذلك ، وكأنما هذا التعبير يتكرر فى القرآن ، مع أنه لم يأت فيه إلا مرة واحدة هى هذه التى فى سورة عبس؟
* * *
١١٧. كل ألم يسيروا فى الأرض دعوة للتفكير والتأمل
فى القرآن يأتى قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (١٠٩) (يوسف) ، ثلاث مرات ؛ وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (١٠) (محمد) أربع مرات ، بمعنى الدعوة للنظر ، والتفكّر ، والتعقّل ، والتدبّر ، والاتّعاظ ، وكذلك يأتى قوله : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) (٣٦) (النحل) أربع مرات ، وقوله : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) (١٣٧) (آل عمران) ثلاث مرات ، وقوله : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) (١١) (الأنعام) مرة واحدة ، وكلها بنفس المعنى ، والسير ليس بقطع المسافات ولكنه بالنظر بالأبصار والقلوب والأذهان ، فالبصر ليدرك المشاهدات ، والقلب ليرى ما خلف ذلك من عبر وعظات ، والذهن ليعى الدرس فلا ينساه. وفى السير زيادة فى المعرفة ، وعقد للمقارنات ، وممارسة للاستقراء