الأنبياء. وذلك غير صحيح ، فكل نبىّ حالة خاصة وله ظروفه ، وآدم فيما يبدو قد تعهّد وأصرّ على الوفاء ، وأخذ نفسه بالالتزام بالأمر بصرامة ، فهذا هو العزم ، ولكنه فى الحقيقة تهاون واستخف ، وهذا هو معنى أنه لم يكن له عزم. والحق يقال أنه كان واقعا تحت ضغوط نفسية من أشد ما عرفته البشرية من الضغوط النفسية : ضغط إبليس ثم ضغط حواء ، فلا عجب أن ضعف عزمه ، فعذره ربّه ، وغفر له.
* * *
٧٠٣. ذنب آدم لا يزرى به
الزراية هى الاحتقار ، ويزرى به أى يعيبه ، ومنها الزرىّ وهو الذميم المحتقر ، والزراية لآدم ، لأنه كقوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١٢١) (طه) ، فما فعله آدم هو عصيان وذنب لا شك فيه ، إلا أن ذنوب الأنبياء مغفورة لأنهم يستغفرون منها ويتوبون ، وذنوبهم بالنسبة لغيرهم حسنات مع ذلك ولكنها فى حقّهم سيئات ، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم ، والوزير قد يؤاخذ بما يثاب عليه ساعى مكتبه ، أو جندى الحرس عنده ، وفى الخبر أن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ، ومع أن الأنبياء تقع منهم الذنوب إلا أنها لا تخل بمكانتهم ، ولا تقدح فى رتبتهم ، وفى الحديث عن أبى هريرة عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، قال : «احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم ، أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة؟ فقال آدم : يا موسى ، اصطفاك الله عزوجل بكلامه وخطّ لك بيده يا موسى! أتلو منى على أمر قدّره الله علىّ قبل أن يخلقنى بأربعين سنة! فحجّ آدم موسى ثلاثا» ، ومعنى حجّه أى غلبه بالحجة. وصحّت حجة آدم لأن الله قد غفر له خطيئته وتاب عليه ، وما كان لموسى أن يعيّره بخطيئة قد غفرها الله له.
* * *
٧٠٤. آدم أول نبىّ
فى الحديث الصحيح أن نوحا هو أول رسول ، يقول : «ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض» ، فهو الأول لأنه كان أول من جاء بشريعة ، إلا أن آدم أيضا باعتباره أول البشر كان له تعليمه من الله ، وكان يعلّم أبناءه أوامره ونواهيه ، وإذن كان آدم نبيا ، وكان أول نبىّ بغير إشكال ، ولم يكن معه إلا النبوة ، ولكن لم تفرض له الفرائض ، ولا شرّعت له المحارم ، وإنما كانت أقواله تنبيها على بعض الأمور ، واقتصارا على ضرورات المعاش ، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء. وفى الآية : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٣) (آل عمران) ثبت أنه تعالى اختار لهؤلاء دينهم