المريض ، يعنى : تقشّر جلده إذا برأ ، وقوله «يأيها الكافرون» تشمل كل كافر على وجه الأرض ، سواء المخصوصون بخطاب السورة : وهم كفّار قريش فى الماضى ، أو أى كفّار من المستقبل.
والسورة هى جوابه تعالى على طلب كفّار مكة ، أن يتبادلوا مع المسلمين العبادة لله وللأصنام ، فيعبدوا الله جميعا لمدة سنة ، ثم يعبد الرسول وأصحابه آلهتهم لمدة سنة ، وهكذا ، فأنزل الله هذه السورة ، وأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يتبرّأ من دينهم بالكلية فقال : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥) وهو غاية التبرؤ من الكفر والكفّار ، والتأكيد على عبادة الله الواحد القهّار. ومعنى الجملتين الأوليين : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) الاختلاف التام فى المعبود ، ومعنى الجملتين الأخريين «(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥) الاختلاف التام فى العبادة ، وكأنه يقول : لا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة. والتكرار فى «لا أعبد ما تعبدون» لأن الكفار كرروا عليه عرضهم المرة بعد المرة ، فكرر عليهم الردّ تغليظا ، فقال : «لا أعبد» حاليا ، «ما عبدتم» ماضيا ، «ولا أنتم عابدون» مستقبلا. وقوله «ما» لأن ما يعبدونه أصنام وأوثان ولا يصلح لها «من». وفى قوله «لا أعبد ما تعبدون» : نفى الفعل حيث الجملة فعلية ، وأما فى قوله «ولا أنا عابد ما عبدتم» : نفى الجملة الاسمية ، ونفيها أكد من نفى الجملة الفعلية ، فكأنه نفى بالكلية إمكان أن يعبدوا ما يعبدون ، واقعا وشرعا. وفى قوله «لكم دينكم ولي دين» معايشة بين الأديان ، وقيل : كان هذا قبل الأمر بالقتال فنسخت بآية السيف وقيل : السورة كلها منسوخة ، وهو غير صحيح تماما فى الحالتين ، فلا هى منسوخة جزئيا ولا كليا ، لأنها خبر ، والخبر لا ينسخ ، والسورة جواب لمسألة ، وما اشتهر باسم آية السيف جواب لمسألة أخرى ، والقتال فى آية السيف ليس هو الحلّ للكفر ، والقتال غير مباح فى الإسلام إلا دفاعا. وفى آية السيف يقول تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) (التوبة) وواضح أن المقصود بها أعداء الإسلام أينما كانوا ، لما استحرّ القتال بينهم وبين المسلمين ، وصارت المسألة بينهما : إما نحن وإما أنتم ، وإلا فلا عدوان ولا قتل فى الإسلام : وقوله «لى دين» لم يقل «دينى» لأن الآيات بالنون فحذفت الياء ، كقوله (فَهُوَ يَهْدِينِ) (٧٨) (الشعراء) ، و (وَيَسْقِينِ) (٧٩) (الشعراء) ، (يَشْفِينِ) (٨٠) (الشعراء) ...
* * *