يقول تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ، والتين والزيتون شجرتان مباركتان ، ففضلا عن أن التين فاكهة من فواكه الجنة ، فإن آدم وحواء خصفا عورتيهما بأوراقه (الأعراف ٢٢) ؛ وأما الزيتون فقد قال تعالى فيه : (شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) (٣٥) (النور) ، وقال : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٢٠) (المؤمنون) ، ودهن الزيتون زيته ، وهو من أحلى الزيوت وأنفعها ، ويصطبغ به الأكل ، وفى الحديث : «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» ، ومن دهنه علاج للأمراض ، كأوجاع الظهر ، والركبتين ، واليدين ، ووجع الرقبة والجروح والقروح ، والبرد فى الصدر. وخصّ طور سينين ـ أى سيناء ـ بالتين والزيتون لأنهما أول ما نبتا كانا فى طور سيناء. وقيل ربما الزيتون إشارة إلى مدينة بيت المقدس التى بعث الله تعالى فيها عيسى ، والتين إشارة إلى طور سيناء أو سينين ، وهو الجبل الذى كلّم الله عليه موسى ، وأما و «البلد الأمين» فهو مكة ، ومن دخله كان آمنا ، وفى مكة أرسل صلىاللهعليهوسلم وهبط عليه الوحى بالقرآن ، وفيها بنى إبراهيم وإسماعيل الكعبة ، فهذه ثلاثة أماكن مقدسة ، رتبت بحسب معانيها الرسالية ومكانة أنييائها الوجودية ، فأقسم بالأشرف ، ثم الأشرف منه (وهو الزيتون أو بيت المقدس) ، ثم بالأشرف منهما (وهو مكة) ، وفى ذلك المعنى من أقوال أسفار اليهود : جاء الله من طور سيناء (حيث كلم موسى) ، وأشرق من ساعير (يعنى جبل بيت المقدس) ، واستعلن من جبال فاران (ويأولها المسلمون بأنها جبال مكة حيث أرسل محمد صلىاللهعليهوسلم). والقسم الثانى من السورة به جواب القسم ، يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٦) ، يخبر بأن الإنسان أحسن خلق الله باطنا وظاهرا ، فهو الجميل الهيئة ، البديع التركيب ، ولا شىء من المخلوقات أجمل منه ولا أحسن ، والله خلقه عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبّرا ، حكيما ، وهذه من صفات الربّ سبحانه ، وعنها جاء القول المشهور : «إن الله خلق آدم على صورته» ، يعنى على صفاته تعالى ، فإن قيل على هيئته وشكله وسمته ، فإنا نقول : ومن أين تكون لله صورة متشخّصة؟ فلا يتبق إلا أن تكون «على صورته» يعنى أنه على صفاته. ثم إن الله يردّ الإنسان إلى أرذل العمر ، أو أنه بحكم وجوده فى الدنيا تثقله الخطايا ، ويتدنس ويتنجّس ـ وهو معنى «أسفل سافلين» ، أو أن معناها أنه يردّ إلى الضلال كما فى قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣) (العصر) ، أى إلا هؤلاء فلا يردّون إلى أسفل سافلين. وفى الجزء الثالث والأخير من السورة ، يتوجّه الخطاب إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ،