كانت أقواله صلىاللهعليهوسلم ولا أفعاله تتسم بشيء من الشذوذ ، والعقد مجال بحث علم نفس الشواذ ، وفى حالة النبىّ صلىاللهعليهوسلم فإن مجال البحث فى شخصيته هو علم النفس التكاملى ، وهو فرع الطب النفسى المعنىّ بدراسة العظماء والأولياء والأنبياء ، وجميعهم من الشخصيات السوية ، بل إن استواءها ليزيد عن استواء الحدّ العادى ، حتى وصف بأنه استواء يتجاوز الطبيعى super normal ، ونقيضه الشاذabnormal ، أو شبه الشاذsubnormal. وهذه التفرقة هى التى لم يدركها المستشرقون ، وما علموا بها ، فاتسمت كتاباتهم فى «العقدة النفسية» عند الرسول صلىاللهعليهوسلم بالسطحية ، والجهل الشديد ، والتعنّت والتحريف البغيض ، ولعل هذه السورة خير الردود عليهم ، وإنى لأعتبرها مثلا حيّا فى نوع الكتابة عن الشخصية المتكاملةintegrated personality. وتكامل شخصية الرسول صلىاللهعليهوسلم هو الذى جعله يتحدث عن نعم الله عليه ويشكرها ، وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم قال : «واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك ، قابليها ، وأتمّها علينا». وما علمنا فى تاريخ الطب النفسى عن إنسان معقّد شاذ يشكر على النعمة ويدعو للشكر عليها. ومن هذه السورة المباركة تعلّم المسلمون : أن من شكر النّعم أن يحدّثوا بها ؛ ولما نزلت سورة الضحى وفيها : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١) كبّر الرسول صلىاللهعليهوسلم ربّه فرحا وسرورا ، ومن ثمّ يستحب عند قراءة السورة التكبير فى آخرها ، والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٧٦. سورة الانشراح
السورة مكية ، نزلت بعد سورة «الضحى» ، وآياتها ثمان ، وترتيبها فى المصحف الرابعة والتسعون ، وفى التنزيل الثانية عشرة ، وهى سورة «الانشراح» وسورة «الشّرح» أيضا ، من استهلالها بقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) ، وهو تقرير وإن كان فى شكل استفهام. و «لم» فى الآية جحد ، وفى الاستفهام طرف من الجحد ، وإذا وقع الجحد ، رجع إلى التحقيق ، كقوله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) (التين) ، يعنى أنه تعالى أحكم الحاكمين ، وكذا قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (٣٦) (الزمر) ، يعنى أنه تعالى يكفى عبده.
وتعدّد السورة نعمه تعالى على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وتذكر منها ثلاث نعم كبرى ، الأولى : أنه تعالى شرح صدره للإيمان ، أو للإسلام ، كقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٢٢) (الزمر) ، أو شرحه للعلم والحكمة والعرفان ؛ والثانية : أنه وضع عنه وزره الذى أنقض ظهره ، وحطّ عنه ذنوبه ، ورفع عن كاهله عبء معاناتها ، وأسقط عنه