منها ، وفى الحديث برواية ٢ ابن ماجة : «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله ، إلا كان الذى أعطاه أفضل مما أخذ». والدنيا كلها لو أخذها العبد فإنها فانية ، والحمد لله باقية ، وهى من الباقيات الصالحات ، والدنيا والكلمة من العبد كلاهما من الله ، والله قد أعطى الدنيا يغنينا بها ، وأعطى الكلمة يشرّفنا بها ، وفى الحديث «يا ربّ لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك» ، وفيه : «الحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ـ ما بين السماء والأرض» أخرجه مسلم.
وسأل سائل : أيهما أفضل : قول العبد «الحمد لله ربّ العالمين» ، أو قوله «لا إله إلا الله»؟ قيل الحمد لله أفضل لأن التوحيد ضمنها ، فهى توحيد وحمد ، و «لا إله إلا الله» توحيد فقط. وقال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «أفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ، ومن قال بذلك ذكر أن لا إله إلا الله تدفع الكفر والشرك ، وعليها يقاتل الخلق ، وفى الحديث : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» أخرجه البخارى ومسلم.
والحمد نقيض الذم ، ومعناه كامل الثناء ، والألف واللام لاستطراق الجنس من المحامد ، فالله مستحق للحمد بأجمعه ، وهو لذلك له الأسماء الحسنى والصفات العلا.
ومن الحمد : الحميد ، والمحمود ، والتحميد ؛ والحمد أعمّ من الشكر ، ومحمد من كثرت محامده ، وبذلك سمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والحمد لله كلمة كلّ شاكر ، والشكر لذلك أعمّ من الحمد ، فالشكر باللسان وبالجوارح والقلب ، والحمد باللسان خاصة ، وقيل بل الحمد أعمّ من الشكر ، ويوضع موضع الشكر ، ولا يوضع الشكر موضع الحمد. والحمد يقال للممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر يستلزم الإحسان أولا ، وفى الآيات : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٨) (المؤمنون) ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) (٣٩) (إبراهيم) ، و (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٤) (فاطر) ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) (١١١) (الإسراء) ، يذكر الحمد بمعنى الرضا ، فلما بلوا الله حمدوه ، أى رضوا به. ومن حمد الله بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد. والحمد حاء وميم ودال ، والحاء من الوحدانية ، والميم من الملك ، والدال من الديمومة ، فمن عرفه تعالى بهذه الصفات ، فقد عرفه ، وهذا هو حقيقة الحمد ، أنك عرفت الله. ويفيد الحمد لله أنك تعرف أولا من أعطاك النعمة ، وأنك ثانيا قد رضيت بها ، وأنك بالامتنان له والإقرار بالفضل له لن تعصى له أمرا. فأين مثل هذه الفلسفة للحمد لله فى كتب اليهود والنصارى؟