مطرا ، ثم زرعا ، وحصادا وتجارة ، وفى ذلك جميعه براهين على أنه لا خالق ولا رازق ولا عليم ولا حكيم إلا هو. ولقد أقسم تعالى بآياته فى السماء والأرض بأن البعث والحساب حق وواقع فقال : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) ، خصّ النطق دون سائر الحواس ، لأن الإنسان يكون به إنسانا ، وفى التعريف أن الإنسان حيوان ناطق ، والمعنى أنه حيوان عاقل ، ومن يعقل ، ولا يشكو الأفن ، وليس به الحمق ، فهو الذى يقر بوجود الله. ثم يكون دور التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، بالقصص القرآنى ، فيه عظة وعبرة ، وبشارة ونذارة ، ومداره الأمم السابقة ، وكيف انتهى أمرها لمّا كفرت بربّها وأمعنت فى غيّها ، فلما أفسدوا خلف عليهم ملوك من طبعهم ، فكانوا طغاة ساموهم العذاب ، وعرضت السورة مشاهد ولقطات من قصص إبراهيم مع ضيفه ، وحديثهم معه عن قوم لوط ، وما فعلوه بهم جزاء جرمهم ، وأطرافا من قصة موسى مع فرعون ، وقصص العقاب لقوم عاد ، وثمود ، ونوح. والقصص القرآنى تتناوله مختلف السور ، ولكنه ليس تكرارا ، وإنما من وجوه شتى بحسب الدروس المرتجاة والفوائد المنتقاة. وخلاصتها فى جميع السور التنبيه إلى قدرة العلىّ المتعال ، والآيات عليها أوضح وأجلى ما تكون : إنها السماء التى رفعها بقوة ، وخلق غيرها أكبر وأوسع وأبدع ، وإنه تعالى لموسع ويقدر على كل شىء ؛ والأرض المبسوطة وهو تعالى نعم الماهد ؛ وخلق من كل شىء زوجين ، فلا أقل من أن يدينوا له بالشكر ، وأن يفروا إليه من معاصيهم إلى طاعته ، وأن يوحّدوه ، ويصدّقوا رسالة نبيّه ، ويتوقفوا عن اتهامه مرة بالسحر ومرة بالجنون ، وهو دأبهم مع كل الأنبياء ، فلا لوم ولا تثريب على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، والقصص يسرّى بها عنه ويسلّى المؤمنين ، وليكمل بها الرسول صلىاللهعليهوسلم رسالته ، ويذّكّر عن طريقها المتفكّرون ، فالذكرى تنفع المؤمنين. وتختتم السورة ببيان أنه تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، ولكى يعبدوه لا بد أن يعرفوه ، والطريق إلى معرفته بمعرفة أسبابه فى الكون ، فكأن غاية المعرفة هى العبادة ، وفقه ذلك أن العلم ما لم يؤد بصاحبه إلى الإيمان فهو علم عقيم. وما كانت عبادتهم له تعالى من غير معرفة به ، ولا يحتاج لمثلها ، ولكنه يريد الشكر والعرفان من الإنسان والجان على كريم ما أسدى ورزق ، وتنتهى السورة بوعيد للظالمين والكافرين.
والسورة ـ كما ترى ـ حافلة ورائعة ، وأفكارها متراتبة ، وتكثر بها المصطلحات القرآنية ، منها : «الخرّاصون» : وهم الكذّابون المرتابون الذين يتخرّصون بما لا يعلمون ، والخرّاصون جمع خارص ، والخرص هو الكذب ، والخرّاص هو الكذّاب. وتقول السورة عن الخراصين : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) يعنى لعنوا ؛ والمتقون : يأتى فى وصفهم أنهم محسنون لا يهجعون إلا القليل من الليل ، ويستغفرون بالأسحار ، وفى أموالهم حق