بعض» ، أى أبلغ وأفصح ؛ وقوله : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (٣٥) أى لن ينقصكم ، ومنه الموتور الذى قتل له قتل ولم ينصفه القانون من قاتله ، تقول : وتره ، يتره ، وترا ، وترة ، وفى الحديث : «من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» أى ذهب بهما. والسورة حافلة رغم ذلك بالمصطلحات وأوجه البلاغة والبيان ، والقرآن لا حصر لوجوه الجمال فيه ، ونسأل الله العفو إن قصّرنا ، وله الحمد والمنّة.
* * *
٦٢٩. سورة الفتح
السورة مدنية ، وهى تسع وعشرون آية ، نزلت بعد سورة الجمعة ، فى الطريق عند الانصراف من الحديبية ، وكان نزولها ليلا فى ذى القعدة من سنة ست من الهجرة ، وهو على الراحلة ، وسميت بسورة الفتح من استهلالها بقوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) ، والفتح : هو فتح الحديبية ، وكان صلحا بين الرسول صلىاللهعليهوسلم والمشركين. وعند ما يطلق اسم «الفتح» يلتبس بفتح مكة ، ولكن الفتح فى السورة كان بيعة الرضوان يوم الحديبية ، وكان المسلمون ألفا وأربعمائة ، والصلح من الفتح وإن كان بغير قتال ، وبه أصاب المسلمون ما لم يتهيأ لهم بغزوة من الغزوات ، فما مضت سنتان إلا والمسلمون قد فتحوا مكة فى عشرة آلاف. وقيل : إن مكة لم تفتح عنوة ، والفتح لا يكون فتحا إلا عنوة ، وإذن فالمقصود ليس فتح مكة ، وأيضا فإنه ليس الحديبية ؛ لأن الحديبية صلح ، والفتح لا يكون صلحا ، وإذن فالمقصود شىء آخر ، قيل هو فتح خيبر. وقيل إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم لمّا قرأ على الناس بعد الحديبية سورة الفتح ، قال عمر : أو فتح هو يا رسول الله؟! قال : «نعم ، والذى نفسى بيده إنه لفتح» ، يقصد الحديبية.
وسورة الفتح ترتيبها فى المصحف الثامنة والأربعون ، وفى التنزيل المدنى الخامسة والعشرون ، وفى التنزيل عامة الحادية عشرة بعد المائة. وكان نزول السورة والمسلمون يخالطهم الحزن وتخيّم عليهم الكآبة ، فلم يكونوا يرون هذا الصلح كما كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يراه ، فقد صدّهم المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وحالوا بينهم وبين العمرة ، وهادنوهم لعشرة أعوام لاحقة ، على أن يرجعوا عامهم هذا ثم يأتون من قابل ، فأجابهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى ذلك على كره من جماعة الصحابة ومنهم عمر. ونحر النبىّ صلىاللهعليهوسلم هديه حيث أحصر ورجع ، واعتبر ذلك الصلح فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة ، وما آلى إليه. وكان قد بعث عثمان بن عفان إلى أهل مكة ليبلغ عنه أشراف قريش أنه ما جاء إلا معتمرا ، وأنه لا ينوى الحرب. وقبل عثمان اعتذر عمر عن الذهاب للعداوات بين قريش وبينه ،