والوجوديون لا غائيين ، وأعلن الدكتور عبد الرحمن بدوى أنه ضد الغائية ، وضد البرهان الغائى فى إثبات وجود الله ، وينذر الله تعالى اليهود وأتباعهم وأضرابهم بيوم الفصل ، أى اليوم الذى يفصل فيه فى كل هذه القضايا الفكرية الإيمانية ، يوم لا يغنى صاحب عن صاحبه شيئا ، إلا من رحم الله ، ومن رحمهم هم المؤمنون ، تشفع لهم أعمالهم عند ربّهم. وأما الكافرون ، فإن كفرهم صنو الكبرياء والاستعلاء والاستقواء ، ويوم القيامة يصبّ العذاب فوق رأس الكافر ويقال له استهزاء : ذق ، إنك أنت العزيز الكريم! وهذا جزاؤهم ، لأنهم كانوا ممترين ، يعنى شاكّين ، وهكذا كان قوم فرعون ، وأهل مكة الأولون. وأما المتّقون ـ وهم الصنف الثانى الذى ينقسم إليه الناس يوم القيامة ـ فهؤلاء مكانهم الجنة ، سمّاها المقام الأمين ـ أى المأمون ، ومن قبل سمّى قرى وديار مصر المقام الكريم ، لقوله فى العذاب مرة أنه العذاب الأليم ، جعله أليما يوم القيامة ، ثم يصبح العذاب المهين بعد الحساب ، ثم يتحوّل إلى عذاب الحميم ـ وهو نوعية خاصة من العذاب بالماء المغلى يصبّ فوق الرءوس. وعذاب «المستكبر العزيز الكريم» أنكى العذاب ، وطعامه من شجرة الزقوم ، تزقم الأنوف والأفواه بطعامها المنتن المرّ ، وهو «طعام الأثيم» ، والأثيم صفة مبالغة ، وهو المشرك الكثير الآثام. وشجرة الزقوم من أشجار الجحيم ، وتنبّت فى أصلها ـ أى أصل الجحيم ، كأنها رأس شيطان ، ويقال للزبانية اعتلوا هذا الأثيم إلى سواء الجحيم ، أى وسط الجحيم ـ وهو الأشد عذابا ، وعلى عكس ذلك المتقون : فعيشهم فى جنات وعيون ، ولباسهم السندس والإستبرق وهما الحرير الرقيق والسميك ، وطعامهم من كل فاكهة ، يدعون إليه آمنين ، ولا موت فى الجنة ولا جحيم ، فضلا من الله ، وذلك هو الفوز العظيم. وتختتم السورة بالعودة إلى القرآن كما بدأت بالقرآن ، وهو الكتاب العربيّ ، سهّله الله بلغة العرب ويخاطب به النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، لعل كفّار قريش يفهمون ويعون عظاته ودروسه ، فارتقب يا محمد إنهم مرتقبون ـ يعنى انتظر عليهم وانظرهم حتى حين ؛ وفى الآية وعد للرسول ، ووعيد للكافرين. وفى السورة الكثير من المصطلحات والعبارات البليغة والمبينة : فالسّير الذى ساره موسى ليلا ، هو سير الخائف الحذر يريد الاستتار بالظلام ، وسير الذى يريد اتقاء الحرّ والعطش ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يسرى ويدلج (أى يسير أول الليل) ويترفق ويستعجل ، بحسب الحاجة والمصلحة ؛ والحور : جمع حوراء وهى البيضاء ؛ والعين : جمع عيناء وهى الواسعة العينين. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٢٦. سورة الجاثية
سورة مكية ، وقيل إلا الآية : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ