روحه فيكون خلقا آخر ، ويكون له النّطق والإدراك وتحصيل المعقولات ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، فذلك دليل من أدلة قدرته تعالى ، ومن هذه الأدلة خلق السموات السبع ، والمطر ينزل بقدر ، وينمو به النخيل والأعناب والفواكه والزروع ، وشجرة الزيتون المباركة التى تنبت من طور سيناء ، وفيها الزيت دهانا للعلاج ، وغذاء للناس ، والأنعام وألبانها ، والمراكب فى البحار. وتستطرد السورة إلى بعض قصص الأنبياء الذين أبلوا بلاء حسنا وصبروا على الأذى ، لعل فيها تسلية للرسول وللمؤمنين ، كنوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وموسى ، وعيسى وأمه ، فكان كلّ منهم يكرر نفس الدعوة ، ونفس الكلام بلا فائدة ، ويأتى الجواب على كل دعوة بنفس الألفاظ والدفوع ، فنوح قال : يا قوم : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٢٣) ، وهود قال : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٣٢) وهكذا ، وكل قوم يكذّبون بنفس الدفوع : أن النبىّ المزعوم هو بشر مثلهم ، وأن البعث مستحيل ، وأنه من أساطير الأولين ، وأن الداعى كذّاب يفترى على الله ، ومجنون به جنّة ، فاستحقوا أن ينزل بهم العذاب. وكان المعترضون دائما «المترفون» ، ومات من مات بطوفان نوح ، وبالصيحة عند عاد وثمود ، والصيحة تعنى أن يتجاوز الصوت حدّ القدرة على التحمّل ، ومن شأنه حينئذ أن يدمر ما يصله ؛ وعند موسى مات آل فرعون غرقا ؛ ولجأ عيسى وأمه إلى ربوة ذات قرار ومعين ، قيل هى الكنيسة بتعبير بطرس أحد الحواريين. وما أمر المؤمنون إلا بما أمر به الرسل : أن يأكلوا من الحلال ويتجنبوا الحرام ، وأن لا يعادى بعضهم بعضا ، فالدين واحد والربّ واحد : (هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٥٢) ، إلا أنهم افترقوا ، وجعلوا الدين الواحد أديانا ، والافتراق فى الفروع طبيعى ، ولا يوجب تعديد الملل ، وإنما الافتراق المحذور منه هو الذى موضوعه أصول الدين وقواعده. ومن افتراقهم أن وضعوا الكتب واتّبعوها ، وحرّفوا التوراة ووضعوها وضعا ، وألّفوا الإنجيل تأليفا ، وما هم فيه من مال وبنين ليس عن رضا الله عنهم ولكنه استدراج وإملاء ؛ وأما المؤمنون : فلهم علامات أربع : يخشون ربّهم ، ويؤمنون بآياته ، ولا يشركون بالله ، ويتّقونه ويخافون أن لا تقبل تقواهم ، وأولئك هم المسارعون فى الطاعات ، والسابقون إليها ، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وكل ما يفعلون فى كتاب الإحصاء للأعمال. وأما الكافرون فهم فى غمرة وغفلة وعماية ، وأعمالهم دون ذلك ، وكلهم «مترفون» ، وفى يوم القيامة يعذّبون ، وكانوا من قبل يستأخرون كلما تلا عليهم القرآن ، وكانت لهم مسامرات ومجالس أباطيل وكفر ، يهجرون فيها ، أى ينطقون بالفحش ، فإما أنهم لم يدبّروا آيات القرآن ، أو أن ما جاء به كان جديدا عليهم تماما ولم يأت مثله لآبائهم ، أو أنهم لم يعرفوا رسولهم فهم فى شكّ منه ، أم أنهم يظنون به الجنون ؛