عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) (مريم) ، والعهد هو الإذن ، كما فى قوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢٦) (النجم) ، فهؤلاء الملائكة أوكل الله بهم الشفاعة ، كما فى قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨) (الأنبياء) ، فمن تقبل توبته من قبل أن يأتيه الموت ، يرضى له أن يشفع فيه.
وقيل : الشفاعة للمؤمنين شفاعتان : شفاعة فيمن لم يصل إلى النار ، وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها. وقيل شفاعة نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم ثلاث شفاعات ، وقيل اثنتان ، وقيل خمس ، وكل ذلك من الغيب ولا علم لنا به إلا الظن ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، وعلمه به كعلمه بالشهادة ، ولا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ملكا كان أو نبيا.
والكرسى فى قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) هو علمه تعالى الذى وسع كل شىء ، كقوله : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٧) (غافر). وقال بعضهم الكرسى هو العرش ، وكلاهما مصطلح متميز عن الآخر ، فكيف يكون أيهما الآخر؟ والكرسى الذى يسع السموات والأرض كناية عن عظم ملكه تعالى ، وجلال سلطانه ، يقرّب الله تعالى به ما لا يمكن أن يتصوره أو يتخيله أو يعيه ذهن الإنسان ، بما هو محسوس ومشاهد من حياته اليومية ، وإلا فما حاجته تعالى إلى الكرسى؟ هل هو ليجلس عليه مثلنا؟ أم أن المعنى أنه تعالى أكبر وأعظم حتى أنه لو كان له كرسى لكان فى وسع السموات والأرض. وفى الحديث : «ما السموات السبع مع الكرسى إلا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسى كفضل الفلاة على الحلقة». والآية يستفاد منها : عظم قدرة الله الذى لا يئوده حفظ هذا الملك العظيم ، فهو العلىّ فوق خلقه ، وهو الكبير المتعال. وهذا هو ما تنبّه إليه آية الكرسى ، مما جعلها سيدة آيات القرآن.
* * *
٧٧. آية التصوير
هى الآية : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦) (آل عمران) ، وفيها التعظيم لله تعالى ، ومن ضمنها الردّ على النصارى فى قولهم أن عيسى من المصوّرين أى الخالقين ، يشبّهونه بالله. وذلك مما لا يوافق عليه عاقل. وفى الآية الردّ على الطبائعيين الذين يجعلون الطبيعة فاعلة مستبدة.
* * *