تعالى ، ويتكرر فيها ظاهرا ومضمرا ، تمجيدا للواحد الأحد ثمانى عشرة مرة ، وقيل : هى ثلث القرآن ، أو ربعه ، ويندب المؤمنون إلى قراءتها دبر كل صلاة ، وبالمقارنة بغيرها من الآيات هى سيدة آى القرآن ، وأعظم وأشرف آية فيه ، لأنها تحتوى جميع العلوم فى التوحيد ؛ والفاتحة بالمقارنة إليها هى أم القرآن ، باعتبار القرآن توحيد ، وعبادة ، ووعظ ، وتذكير ، فهى أوسع من آية الكرسى وأشمل ، بينما آية الكرسى أعمق فى تناولها للتوحيد ، وأعظم من (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) التى فيها التوحيد كله ، وتعدّ مثلها ثلث القرآن ، ومن ثم قيل : إن من يواظب على قراءة آية الكرسى يصبح من الصدّيقين أو العابدين ، ويسمونها كذلك ولية الله ، وقارئها من أولياء الله ، وله أجر الشاكرين ، وثواب النبيين ، وعطاء الصدّيقين. وكان نزول آية الكرسى على النبى صلىاللهعليهوسلم ليلا ، فاستدعى زيدا ليمليها عليه. وقيل : إن اسم الله الأعظم فيها هو (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، ويأتى فى القرآن ثلاث مرات ، فى البقرة فى قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢٥٥) ، وفى آل عمران وفى قوله تعالى : (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) ، وفى طه فى قوله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١).
والله فى الآية مبتدأ ، و «لا إله» مبتدأ ثان ، و «إلا هو» بدل من «لا إله» ، أو أن «الله لا إله إلا هو» ابتداء وخبر ، فأخبر أنه تعالى المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق ؛ و «الحىّ القيوم» بدل من «هو» ونعت لله ، أو خبر بعد خبر على إضمار مبتدأ. واليهود يدعون بالعبرانية فيقولون : «أياهيا شراهيا» ، يعنى «يا حىّ يا قيّوم.»
والله تعالى حىّ قيّوم كما وصف نفسه ، لأنه لا يموت ، ولا يحول ، ولا يزول ، وببقائه حيا تبقى الأشياء بمقاديرها ، وتستمر الأمور فى مصاريفها. وهو «القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم» ، لأنه يقوم بتدبير ما يخلق ، ويقوم على كل نفس بما كسبت ، ويعلم بها ولا يخفى عليه شىء منها. ومن تمام القيومية أنه لا تعتريه سنة ولا نوم ، وفرق بين السنة وهى من الرأس ، والنعاس ويكون فى العين ، والنوم الذى هو فى القلب ، ولا يصاب به الإنسان إلا اعتراه الفتور ، ولحقه الملل ، وأصابه التعب والرهق ، ولو كان الله ينام لم تمسك السماء ولا الأرض ، وإنما كل ما فيهما ملك يمينه ، ورهن مشيئته. وقوله «ما فى السموات وما فى الأرض» يقصد به جملة الموجودات ، وليس الإنسان وحده كما يدّعى المستشرقون ، وإلا لكان استخدم من بدلا من ما ، كما فى قوله «من ذا الذى يشفع عنه إلا بإذنه» ، فإن من للعاقل. وقيل : الآية دليل على وجود الشفاعة ، وأن الله يأذن بها لمن يستحقها ، ويرضى أن يتولاها من له عنده تعالى عهد بذلك ، كما فى قوله : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ