والحرب قد تفرض على المسلمين ، وبخاصة من اليهود والنصارى ، فإذا ابتلوا بها ، فليخرجوا جميعا إلى الجهاد سرية بعد سرية ، أو مجتمعين ، والمنافقون دائما يتخلفون ، ويحمدون حظّهم أن تخلّفوا إذا ظهر أن المسلمين مغلوبون ، فلو انتصروا ندموا أن لم يكونوا معهم. والبعض قد يتخلّف عن القتال خشية الناس ، والموت واحد ، وإذا حان الأجل لا فرار ولا منجاة ، والموت يلحق الناس ولو تحصّنوا منه فى البروج ، وكل مسلم إذن عليه أن يقاتل ولو وحده ، وعليه أن يحرّض المؤمنين على القتال ، عسى أن يكفّ القتال بأس الذين كفروا.
وبعد ، فهذه خلاصة للسورة ، وما أشبه البارحة باليوم ، وما يزال اليهود والنصارى يكيدون للإسلام ، فعلى المسلمين أن يكونوا مستنفرين دوما ، «فالحرب الدائمة» تبدو من قضاء الله وقدره فيهم. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٥٨٦. سورة المائدة
السورة مدنية بالإجماع ، ومن السور الطويلة ، وروى أنها نزلت منصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحديبية ، ومنها ما نزل فى حجة الوداع ، ومنها ما نزل عام الفتح ، وهو قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) (٢) ، وكان نزولها بعد سورة الفتح ، وآياتها مائة آية وعشرون ، وترتيبها فى المصحف الخامسة ، وفى التنزيل المدنى هى السادسة والعشرون ، وفى مجمل التنزيل هى الثانية عشر بعد المائة ، وسميت «سورة المائدة» لما تضمنته من قصة المائدة التى طلبها الحواريون من عيسى ، قالوا : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١١٢) ، وقالوا (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) (١١٣) ، فدعا عيسى ربّه ، قال : (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١٤) ، فلما كانت هذه القصة من أعجب ما ذكر فى سورة المائدة ، سميت السورة بها ، وقال تعالى : (مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١١٥) ، قيل : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : اليهود بقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٨٥) (البقرة) ، وآل فرعون بقوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٤٦) (غافر ٤٦) ، والكفرة من أصحاب المائدة.
وقيل فى سورة المائدة : أنها تتضمن تسع عشرة فريضة ليست فى غيرها ، فقد جاء