القرآن كان كتاب موسى ـ ولم تذكر اسم التوراة تحرّجا كما شرحنا ـ لأنه لا توجد توراة فى الواقع الملموس ، وكان هذا الكتاب إماما ، يعنى سابقا على كل الكتب السماوية ، بصرف النظر عن أنه كانت لإبراهيم صحائف ، فالكلام هنا عن الكتب وليس عن الصحائف. وكان كتاب موسى رحمة للناس ، لأنه نظّم لهم حياتهم ورحمهم من الاختلاف ، ومن آمن به وجبت له الرحمة من العذاب فى الآخرة. والقرآن صادق على كتاب موسى ، ولم يصادق على الأسفار الخمسة ولم يصادر على القضايا الأصول إن اشتملت عليها هذه الكتب الخمسة نقلا عن كتاب موسى ، وهى : الدعوة إلى الله ، والاعتقاد بالآخرة ، والبعث ، والحساب ، والثواب ، والعقاب ، والجنة والنار ، والملائكة. والأسفار الخمسة فيها من كتاب موسى ـ أى التوراة ـ القليل من التنزيل والكثير من الزيف. وفى الآية : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) (الأحقاف) أن القرآن صورة من كتاب موسى هذا ـ أى التوراة ـ وإنما بلسان عربى ، وهو صورة لما كان فيه من القضايا الأصول دون التشريع ، لأن القضايا الأصول واحدة دائما ، فإن أردت أن تعرف عن كتاب موسى فاقرأ القرآن ، فالقرآن ترجمة عربية لكل الكتب قبله ، ولكل الدعوات التى سبقته ، وغاية التوراة والقرآن فى النهاية هى إنذار الظالمين والبشارة للمحسنين.
* * *
٥٥٩. إحدى عشرة صفة لليهود
هذه الصفات أحصتها الآيات من سورة النساء ، من قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) (النساء ٤٥) إلى قوله تعالى : (أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (النساء ٥١) ، وهى : ١ ـ (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) (النساء ٤٤) أى يستبدلونها بالهدى ، كقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (البقرة ١٦) ؛ ٢ ـ (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (٤٤) (النساء) ، أى يريدون إضلالكم عن طريق الحق ؛ ٣ ـ (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (النساء ٤٦) ، أى يتأوّلونه ويزيدون فيه وينقصون ؛ ٤ ـ (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) (النساء ٤٦) ، أى سمعنا قولك وعصينا أمرك ؛ ٥ ـ (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) (النساء ٤٦) ، أى اسمع لا سمعت ، أو اسمع غير مسمع منك ؛ ٦ ـ (وَراعِنا) (النساء ٤٦) ، أى ارعنا سمعك ، يقولونها للتنقيص والغض ، وكان المسلمون يقلدونهم فيها ، وقالوا للنبىّ صلىاللهعليهوسلم «راعنا» فنزلت الآية تنهى المسلمين عنها ، تقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) (البقرة ١٠٤) ؛ ٧ ـ (وَطَعْناً فِي الدِّينِ) (النساء ٤٦) ، يطعنون فى مبادئ الإسلام وأحكامه ؛ ٨ ـ (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤٦) (النساء) فكانوا يقولون : بعض ما تخبر به يا محمد من شئون ديننا نحن نؤمن به ، ولا نؤمن بما