أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة ١٤٠) أنهم ادّعوا أن هؤلاء الأنبياء كانوا يهودا ، يعنى من أصول يهودية ، لأنهم أولا عبرانيون ، وإسرائيليون ثانيا ، فهم إذن يهود! ونازعهم النصارى ذلك ، وزعموا أن هؤلاء الأنبياء كانوا يدينون جميعا بالمسيح وينتظرونه ويبشّرون به ، فهم مسيحيون أو نصرانيون ؛ غير أن هؤلاء الأنبياء كانوا قبل اليهودية ، وقبل النصرانية ، فكيف يكونون يهودا أو نصارى؟ والآية لذلك تتوعدهم وتعلمهم بأنهم مجازون على أقوالهم. والشهادة : هى علمهم بأن الأنبياء جميعا كانوا على الإسلام لله.
* * *
٥٥٢. لا توالوا اليهود والنصارى فيما يخص المسلمين والإسلام
الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة ٥١) نزلت يوم أحد حين خاف المسلمون الانكسار ، حتى همّ قوم منهم أن يوالوا اليهود ، أى يهادنونهم ويحالفونهم ، وتبرأ المؤمنون من موالاتهم ، وكانت حجة الموالين أنهم يخافون أن تدور الدوائر على المسلمين ، فحذّرت الآية من موالاة اليهود وتعضيدهم على المسلمين فى الحرب والسلم ، وهذا الحكم ليس على الواقعة وحدها ، فإنها تحذير من مثل ذلك مستقبلا ، يعنى أن هذا الحكم باق إلى يوم القيامة ؛ ومثله قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران ١١٨) ، والآية متصلة بما قبلها : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (١٠٠) (آل عمران) ، والبطانة هم الخلصاء والمستشارون ، فالحاكم المسلم لا ينبغى أن يكون له مستشار فى شئون المسلمين من أهل الكتاب ، لأنه بطبيعة الحال سينضم لأهل الكتاب من أعداء الإسلام إذا خيّر بين أن يخلص للمسلمين أو لأهل ملّته.
* * *
٥٥٣. لا موالاة للمستهزئين بالإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم
كثيرون يسخرون من طقوس الإسلام فى الحج والصيام والصلاة والزواج ، فإن قلنا إن مثل ذلك موجود فى النصرانية واليهودية ، تركوا النقد لهما وركّزوا قولهم على الإسلام وحده ، وغايتهم معروفة ، وفى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة ٧٥) تأكيد على أن مثل ذلك حدث أيام الرسول صلىاللهعليهوسلم وما يزال ، ويتزعم هذا الهزو والسخرية