وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة ١٣٦) ، فوقعت المماثلة بين الإيمانين.
* * *
٥٤٨. اليهود والنصارى هم الأخسرون أعمالا
«الأخسرون أعمالا» صفة القرآن لليهود والنصارى ، ومن الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن ولكن سعيه فى الحقيقة قد حبط. وما يوجب إحباط السعى إما فساد الاعتقاد ، أو المراءاة. يقول تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (الكهف) ، والمقصود بهؤلاء : «اليهود والنصارى» ؛ فأما اليهود فلأنهم لم يؤمنوا بالبعث ، وفى كتبهم لا يوجد أى كلام عن البعث ؛ والنصارى لأنهم كفروا بالجنة فقالوا لا طعام فيها ، ولا زواج ولا نعيم ، فهؤلاء وهؤلاء لا قدر لهم ولا وزن يوم القيامة ، وفى الحديث أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ، واقرءوا إن شئتم : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٠٥) (الكهف) ، قيل : السمن المكتسب من كثرة الأكل والشّره والاسترسال مع النفس على شهواتها ، كما فى حالة «شارون» ، فهو عبد نفسه لا عبد ربّه. والخلاف بين المسلمين وبين اليهود والنصارى هو خلاف فى العقيدة يصنع خلافا حول أسلوب الحياة ، فهؤلاء عبيد رغباتهم ، ولا يهمهم من أين أتى المال ، ويقبلون على الحياة ونعيمها كالأنعام ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) (١٢) (محمد) ، فهذا هو الخلاف بيننا وبينهم : خلاف ثقافى حضارى ، فنحن نأخذ بالقيم ، وهم ينادون بنوع من التمدّن لا قيم فيه ولا مبادئ ، ولو أخذوا بالقيم لعبدوا الله الواحد واتّقوه ، ولكنهم يعبدون المال والشهوات ، ولهذا كرهوا الإسلام والمسلمين.
* * *
٥٤٩. برهان الخلف يلزم اليهود والنصارى
الأصل فى الآية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) (المائدة ١٨) السؤال : «قل فلم يعذّبكم بذنوبكم» ، وهو سؤال لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يقولوا هو يعذّبنا. فيقال لهم فلستم إذن أبناءه وأحباءه ، فإن الحبيب لا يعذّب حبيبه ، وأنتم تقرّون بعذابه ، فذلك دليل على كذبكم ، وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف ؛ أو أنهم يقولون : لا يعذّبنا الله فيكذّبوا ما فى كتبهم ،