ومما نخاف ونحن أبناء الله وأحباؤه؟! فنزلت الآية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (المائدة ١٨). وقولهم إنهم أبناء الله وأحباؤه ورد عند اليهود فى عبادتهم عن الله تعالى فيما زعموا أنه قوله تعالى : «إسرائيل ابني البكر» (الخروج ٤ / ٢٢) ، وفى العبارة : «أنا أكون له أبا ، وهو (أى شعب إسرائيل) يكون لى ابنا (الملوك الثانى ٧ / ١٤) ، والعبارة : «كرأفة أبّ ببنيه رئف الربّ بالذين يتّقونه» مزامير ١٠٣ / ١٣). وتحولت هذه «الأبوة» أو «البنوة» عند النصارى إلى «أبوة وبنوة» حقيقية لا مجازية ، فيقال : أبو ربّنا يسوع المسيحى (الرسالة الثانية إلى أهل كورنتوس ١١ / ٣١) ، ويجيء فى الصلاة عند النصارى : «أبانا الذى فى السموات ، ليتقدّس اسمك» (متى ٦ / ٩).
وهذه الأبوة أو البنوة أصل فى الاعتقاد النصرانى ، ولا تقال من باب المجاز ، وأما بنوتهم لله فهى بنوة مجاز ، اكتسبوها بالخلق ، فلما آمنوا صارت لهم بالنعمة. المؤمن إن لم يعتقد فى أبوة الله للمسيح ، وأبوته للمؤمنين ، يكفر. وأبوته تعالى بالنسبة للمؤمنين اكتسبوها بالميلاد الثانى ـ أى لمّا آمنوا بعيسى (يوحنا ١ / ١٢ ـ ١٣) ، ولذلك كان التبنّي عندهم مشروع لأنه ضمن عقيدتهم ، وفى الإسلام التبنّى محظور لأنه ليس من عقيدة الإسلام ، وليس لأنه يخلط الأنساب كما يقول المفسرون ، وإنما لأنه متصل ببنوة اليهود لله وأبوته لهم ، وببنوة المسيح لله وأبوته له ، وبنوة النصارى لله ، وأبوته لهم. وهذه العلاقة بين اليهود والله ، وبينه وبين النصارى ـ علاقة البنوة ، أو الأبوة ، أو الحبّية ، هى امتياز لهم دون غيرهم من الشعوب ، وليست اكتسابا بالأعمال ، ولكنها بالطبيعة فى حالة اليهود ، لأنهم يهود وكفى! وبالنعمة فى حالة النصارى ، لأنهم لمّا تبعوا ابن الله صاروا أبناء لله بدورهم. وهذا ما ينبّه إليه القرآن ، فلو كان ذلك حقيقة فلن يعذّب لا هؤلاء ولا هؤلاء ، ولكن كتبهم تقول إنهم يحاسبون وسيعذّبون ، وهم إذن بشر ، ويمكن أن يخطئوا ويصيبوا ، وسيحاسبون على الطاعة والمعصية ، وسيجازى كلّ بما عمل ، ولا يشفع لأى منهما أنه يهودى أو نصرانى!
* * *
٥٤٥. اليهود والنصارى غلوا فى دينهم
القرآن ينهى عن الغلو فى الدين بقوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) (النساء ١٧١) ، والغلو هو التجاوز فى الحدّ ؛ اليهود غلوا فى عيسى فقذفوا مريم بأنها بغى ، وقالوا إن المسيح ابن يوسف النجّار ، وقالوا فى عيسى إنه عنين يعانى