وكان هوروفتس أشدهم سخرية ، واتهموا محمدا باعتباره مؤلف القرآن ـ بالجهل أو سوء الفهم ، على زعمهم أن اليهود أهل توحيد ، فمن غير المعقول أن ينسبوا بنوّة عزير إلى الله. ومقالة القرآن رغم إنكارهم هى الصحيحة ، فعزير أو عزرا لمّا كتب التوراة بعد أن كانت قد اندثرت وتنوسيت ، بوّأه اليهود مكانا عليا ، ولقّبوه بالكاتب ، والكاهن ، وقالوا إنه فعل ما فعل بإلهام من الله ، وأنه تعالى أوحى إليه أن يعيد كتابة التوراة كرامة منه لعزير ، فهو الذى عمل جاهدا لينال الحظوة عد الفرس ، حتى حصل منهم على العفو عن اليهود ، والإذن لهم بالعودة إلى فلسطين ، وكانت عودته إلى القدس سنة ٤٥٨ أو ٤٥٧ قبل الميلاد فى حكم ارتحتشتا الأول ، أو سنة ٣٩٨ قبل الميلاد فى زمن ارتحتشتا الثانى!! وأخلص للدعوة ، وانكب على الكتابة ، وأسّس المجمع الكبير ، وجمع فيه الربّانيين ، وجمع الأسفار ونظّمها وأعاد كتابتها ، وأنشأ الأبجدية العبرانية بالخط الأشورى ، فاعتبره اليهود رئيسا لهم ، وقالوا بأنه لو لا مكانته عند الله ما كانت له كل هذه التوفيقات ، وأنه ما كان يمكن أن تتهيأ له كتابة التوراة وتاريخ اليهود ، إلا لأنه ابن الله وأثيره وحبيبه وخاصته. وهذه البنوة التى يستنكرها هوروفتس وأمثاله ، هى طبع فى اليهود ، ولو لا أنها داء فيهم ما قالوا عن المسيح أنه ابن الله ، والفرق بين مقالة اليهود أن «عزير ابن الله» ، ومقالة النصارى أن «المسيح ابن الله» ، أن اليهود : قصدوا بنوة الفضل والتكريم والحنو والرحمة ، بينما النصارى قصدوا بنوة النسل ، ومثل ذلك قاله العرب عن الملائكة أنهم بنات الله ، وكلها أقوال ساذجة لا بيان فيها ولا برهان عليها ، فذلك تفسير قوله تعالى «ذلك قولهم بأفواههم» ، أنه مجرد قول بالفم لا يحمل أى معنى ولا تعضده الأدلة ، كقوله تعالى : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ) (التوبة ٣٠) ، أى يماثلونهم فيه بلا جدوى ، وأهل المعانى على القول بأن الله لم يذكر فى القرآن قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا كان إفكا وقولا زورا.
وعزرا أو عزير له سفر وحده اسمه «سفر عزرا» ضمن أسفار الكتاب المقدس لليهود ، ويتضمن سفر نحميا بعضا من أخبار عزرا. وسفر عزرا هو السفر الخامس عشر من أسفار العهد القديم ، ولغته خليط من الآرامية والعبرية. وما كتب عن حياة عزرا ، بعضه منسوب إليه ، وبعضه كتبه آخرون عنه ، الأمر الذى يكشف أن هذه الأسفار ليست مقدّسة ، ولم تكن تسميتها «بالأسفار» إلا لإضفاء صفة القداسة عليها ، فلم يكن غربيا إذن أن يقال عن عزرا وقد كتب كل ذلك أو استكتبه ، وقام بترتيبه وتنظيمه ، وإلقاء الدروس فيه ، وشرحه وتفسيره وتأويله ـ أنه ابن الله! ومن أغرب ما قيل فيه أن اسمه عزرا ليس اسما عبرانيا ، ولكنه مصرى وأخذه بنو إسرائيل عن المصريين ، ففي مدة بقائهم فى مصر بأرض جاسان