أى عليها غشاوة ، ومطبوعة بالكفر ، وبيّن تعالى السبب فى نفورهم عن الإيمان ، أنهم لعنوا بكفرهم واجترائهم ، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه. وأصل اللعن الطرد والإبعاد ، واليهود لا يؤمنون إلا بما فى أيديهم ، وإيمانهم مادى وقليل.
* * *
٥٣٤. الإسلام دين فطرة وعقل واليهودية ديانة عنصرية
فى القرآن : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم ٣٠) ، والمعنى : أن الدين هو شرعة الله التى فطر الناس عليها. والحنيفية هى الدين الخالص لله ، وهى الإسلام ، بمعنى التسليم بوحدانية الله ، والإقرار بفضله ، والشكر له على نعمه ، وطاعته فيما أمر به ونهى عنه. فالدين من الفطرة السليمة ، والدين علم كالعلوم ، يمحّصه العقل ، ويتفهّمه ، ويعيه ، ويهذّبه ويشذّبه ، ويقيم معوجّه إذا جنح به الجانحون أو تطرّف فيه المتطرفون ، وما من إنسان على ظهر البسيطة إلا ويؤمن بقوة أعلى وأسمى ، حاكمة على كل القوى ، ويطلق عليها اسما ، والبعض يقول إن إيمانه عن طريق الرسل والأنبياء ، والبعض يقول إن إيمانه بالعقل ، وكلاهما فطرى فى الإنسان ، فالإيمان فطرة ، والتعقّل فطرة ، والفطرة السليمةCommon Sense أساس العقل ، والدين فطرى ، أى يعتقده المعتقد بالفطرة ، أى بالعقل فى أخص حالاته ، وقبل أن يتشوّش ، أو ينحاز ، أو يميل عن هوى ، قصدا أو عن غير قصد ، وقبل أن يتثقّف ويستدخل مفاهيم المجتمع المدنى والحضارة. وفلاسفة الفطرة فى بلاد الغرب قالوا مثل ذلك ، وعرّفوا الفطرة بما قلناه ، قالوا : Common Sense is mind before being sophisticated. والإسلام دين الفطرة أى الدين الأساسى ، أو الديانة الأم ، أو الأصل ، وهو عودة إلى الحنيفية أى للبعد عن كل زيغ وهوى ، وهو للعالمين (بفتح اللام) ، أى لكل الناس بلا تمييز ، والمعرفة التى يتضمنها القرآن معرفة تستهدى الفطرة ويصوغها العقل الفطرى ، على عكس اليهودية فهى دين اليهود ، ولا أحد غير اليهود ، والتوراة التى بين أيدينا لا تخاطب إلا اليهود ، وتميزهم وترفع شأنهم على العالمين : ففي سفر الخروج يجيء : «إسرائيل ابني البكر» (٤ / ٢٢) ، وفى سفر الأحبار : «الربّ إلهكم الذى فرزكم من بين الأمم» (٢٠ / ٢٤) ؛ وفى سفر العدد : لا تلعن الشعب فإنه مبارك» (٢٢ / ١٢) ، وفى سفر الملوك الثانى : «إسرائيل الأمة الوحيدة فى الأرض التى سار الله ليفتديها لنفسه شعبا ، ويجعل لها اسما ، ويعمل لها تلك العظائم والمخاوف» (٧ / ٢٣). وفى القرآن يأتى على العكس : أن الله ربّ العالمين نحو ٧٣ مرة ، فلم يؤثر الله شعبا من الشعوب ، والمؤمنون : به هم المسلمون