الاضطهاد بالوراثة ، ودليل ذلك إصرارهم على مطلب الأمن مقابل الأرض ، وتأكيدهم على الأمن هو لخوفهم. ولقد قال نبيّنا العظيم صلىاللهعليهوسلم «نصرت بالرعب» ، وليس فزع اليهود وتشدّدهم إلا لهذا الرعب الذى يغلب عليهم ويمسك بتلابيهم ويحاصرهم كلما واجهوا المسلمين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
* * *
٥٢٨. مثل أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل القرآن
يناسب قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران : ١١٠) الحديث : «إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس : أوتى أهل التوراة التوراة ، فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ؛ ثم أوتى أهل الإنجيل الإنجيل ، فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس ، فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتابين : أى ربّنا ، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين ، وأعطيتنا قيراطا قيراطا ، ونحن كنا أكثر عملا؟ قال عزوجل : هل ظلمتكم من أجركم من شىء؟ قالوا : لا. قال : فهو فضلى أوتيه من أشاء» أخرجه البخارى. وقوله : «كنتم خير أمة» فى تفسير النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله». والعدد سبعين افتراضى ، وفى رواية أخرى قال صلىاللهعليهوسلم : «مثل المسلمين واليهود والنصارى ، كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا إلى الليل ، فعملوا إلى نصف النهار ، فقالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك ؛ فاستأجر آخرين ، فقال : اكملوا بقية يومكم ولكم الذى شرطت ؛ فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا ؛ فاستأجر قوما فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، واستكملوا أجر الفريقين» ، فالأمتان اليهودية والنصرانية عجزوا ، وعبّر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله ، فأعطوا بقدر ما أنجزوا ، ولم يتحقق الإنجاز إلا على أمة الإسلام وإن كان عملهم كعمل الآخرين ، إلا أن الإنجاز تمّ على أيديهم ، فاستحقوا بعمل البعض أجر الكل ، وهذه ميزة أمة القرآن على أمّتي التوراة والإنجيل ، ولهذا يحسدنا اليهود والنصارى!
* * *
٥٢٩. محاجة اليهود والنصارى فى الله
قال تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (البقرة ١٣٩) ، والآية تردّ على محاجّة اليهود : أنهم شعب الله المختار ؛ ومحاجة النصارى : أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم لذلك ـ أى اليهود والنصارى ـ الأقرب إليه والأكثر حظوة عنده. وفى ردّه تعالى يوجه الخطاب إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته ، وفيه تعليم