فلا تدرى ما قبلها من دبرها من كثرة الشعر! والقصة برمتها كأنها من ألف ليلة وليست من الدين ، ولا تخبر عن شىء من عقيدة الإسلام ، وواضح أن أهل الكتاب وعلى رأسهم تميم الدارىّ هذا أرادوا بغرس قصة الجسّاسة ضمن البناء الدينى الإسلامى ، أن يحيدوا بالإسلام إلى الأساطير والخرافة ، ويطمسوا فيه الصفة العقلانية الواضحة ، حتى ليكاد القرآن يكون كتابا فى العلم وليس فى الدين ، الأمر الذى يؤكد أن أمثال هذه الأحاديث مدسوسة ، ولم يكن تميم فى حديث الجسّاسة إلا قصّاصا مدلّسا وليس محدّثا كالمحدّثين. فلتحذر يا أخى أشباه تميم ، وأمثال قصتي الجسّاسة والدجّال!
* * *
٤٥١. شبهة أن يكون للقرآن أسلوبان ،
فالسّور المكية لها أسلوب ، والسّور المدنية لها أسلوب؟
الذين ادّعوا ذلك فسّروا ادّعاءهم بأن المناخ النفسى العام فى مكة لم يكن هو نفسه مناخ المدينة ، وكذلك ثقافة مكة ليست كثقافة المدينة ، والتكوين السكانى لأهل مكة ليس هو التكوين السكانى لأهل المدينة ، ومن ثم اختلف تفكير الاثنين ، وكان لا بد أن تأتى آيات القرآن وقد طبعها ذلك التباين ، ولذلك كانت الآيات المكية فيها العذاب والقسوة ، والشدّة والعنف والحدّة ، والوعيد ، والتهديد ، من أمثال قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (١) (المسد) ، وقوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣) (الفجر) ، والمقصود بذلك أن يثبتوا أن مؤلف القرآن هو محمد ، وأنه تأثر بطريقة استقبال الناس له ، وانعكس ذلك على كلامه معهم ، والصحيح أن القرآن فى مكة هو القرآن فى المدينة ، فما قالوا إنه قسوة وشدة فى الآيات فى مكة ، إنما مثله فى المدينة ، ففي سورة البقرة وهى مدنية يجيء أيضا قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (البقرة ٢٤) ، والشبه قائم بينها وبين الآيات المكّية والأسلوب واحد ، سواء فى مكة أو فى المدينة ، ولكن الموضوعات اختلفت ، لأنه فى مكة كان الانشغال بالدعوة وتقرير مبادئ الإسلام ، وأما فى المدينة فالاهتمام بالتشريع ، وفى الحالتين كان لا بد من مراعاة أحوال المخاطبين أو حاجاتهم. ورغم قولهم أن الآيات المكية فيها قسوة فإنها تخلو من الحضّ على القتال ، وتأمر بالتسامح والعفو والصبر الجميل ، وبردّ الإساءة بالحسنة ، والقول بالأحسن ، بينما فى الآيات المدنية شرّع القتال ، واستنفر المسلمون للجهاد ، ومن ثم تتهافت هذه الشبهة كتهافت غيرها.
* * *
٤٥٢. شبهة أن السّور المكية أقل استنارة من السور المدنية؟
قالوا فى الطعن على القرآن : أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان أميا فى مكة وبين أمّيين ، فكانت