وقال : فى التوراة : يا أيها النبىّ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين ، أنت عبدى ورسولى ، سمّيتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخّاب بالأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعينا عميا ، وأذانا صما ، وقلوبا غلفا». وكلامه جانبه الصواب ، لأنه ليس فى التوراة التى هى كتب موسى الخمسة مثل هذا الكلام البتة ، غير أنه قد ورد كلام يقرب فى المعنى من ذلك فى سفر أشعياء ، الفصل الثانى والأربعين ، ونصّه : هو ذا عبدى الذى أعضده ، مختارى الذى سرّت به نفسى ، قد جعلت روحى عليه ، فهو يبدى الحكم للأمم ، لا يصيح ولا يجلّب ، ولا يسمع صوته فى الشوارع ، قصبة مرضوضة لا ينكسر ، وكتّانا مدخّنا لا يطفئ ، يبرز الحكم بحسب الحق ؛ لا ينى ولا ينكسر ، إلى أن يجعل الحكم فى الأرض ، فلشريعته تنتظر الأمم. هكذا قال الربّ» (١ / ٥) ، فإن كان ابن عمرو يشير إلى هذه العبارات فقد تجاوز فى النقل عنها ، وقد أخطأ إذ يذكر أنها من التوراة. وأشعياء ليس سوى متنبئ ، ونبوءته يفسّرها النصارى بأنها عن المسيح! وفسّرها ابن عمرو أنها عن محمد صلىاللهعليهوسلم! تفسيرا لما جاء فى القرآن ، وهذا خطأ لأن حديث القرآن عمّا يرد عن مجىء النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى التوراة وليس فى نبوءة لأشعيا! ولقد جاء نحو حديث ابن عمرو عن كعب الأحبار ، وعن عبد الله بن سلام ، وهما يهوديان قبل إسلامهما ، وثقافتهما إسرائيلية ، وتنسب إليهما الكثير من الإسرائيليات ، وكان كعب يرعى ابن عمرو ، وكان يقرّظه كلما يسمعه يرجع إلى التوراة فيما يقول ، فكلما تكلم بفتوى أثنى عليه وقال : أنت أفقه العرب! إنها لمكتوبة فى التوراة كما قلت»! وقد نسب إلى ابن عمرو أنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يحدثنا عن بنى إسرائيل حتى يصبح ، ما يقوم إلا على عظم صلاة»!! والثابت غير ذلك تماما ، وحديث «بلّغوا عنى ولو آية ، وحدّثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج» ، لا يعنى جواز الدعوة إلى اليهودية! ناهيك عن أن الحديث أوله لا علاقة له بآخره ، ثم إنه يناقض الحديث الآخر : «ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم ، وقولوا آمنا بالله ورسله ، فإن كان باطلا لم تصدّقوه ، وإن كان حقا لم تكذّبوه» ، ولا تعنى الآية : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) (٩٤) (يونس) أن التوراة تهيمن على القرآن وأنها الأصل ، وإلا ما ذكر الله تعالى أنها حرّفت ، وإنما تفسير هذه الآية يكون بالذى قبلها ، والذى قبلها كان عن قصة موسى مع فرعون وما وافق ذلك من أحداث ، وما ذكرت التوراة من القصة متوافق مع ما ذكره القرآن ، وإن زاد القرآن هذه الأحداث تفصيلا ، ولو سئل أهل الكتاب عمّا جاء منها فى القرآن لأمنّوا عليه وما خالفوه ، فذلك معنى الأمر : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) (يونس ٩٤) : غير أن ابن عمرو لم يكن يفسّر