أخذ الغلام بيد يهوذا سكنت نفسه ، وذهب غضبه ، فالتفت يمينا وشمالا لعله يرى أحدا من إخوته فلم ير ، فخرج مسرعا إلى إخوته ، فقال لهم : هل حضرنى أحد منكم؟ قالوا : لا. قال : فأين ذهب شمعون؟ قالوا : ذهب إلى الجبل. فخرج ، فلقيه وقد احتمل صخرة عظيمة. قال : ما تصنع بهذه؟ قال : أذهب إلى السوق الذى وقع فيه نصيبى أشدخ بها رءوس كل مار فيه. قال : فارجع فردّها أو ألقها فى البحر ، فو الذى اتخذ إبراهيم خليلا ، لقد مسّتنى كفّ من نسل يعقوب! ـ ثم دخلوا على يوسف ، وكان يوسف أشد منهم بطشا ، فقال : يا معشر العبرانيين ، أتظنون أنه ليس أحد أشد منكم قوة؟! ثم عمد إلى حجر عظيم من حجارة الطاحونة فركله برجله ، ثم أمسك يهوذا بإحدى يديه فصرعه ، وقال بعض خدمه : هات الحدّادين حتى أقطع أيديهم وأرجلهم وأضرب أعناقهم. ثم صعد على سريره ـ سرير الملك ـ وجلس على فراشه ، وأمر بصواعه ، فوضع بين يديه ، فنقره نقرة فخرج طنينه ، فالتفت إليهم وقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا. قال : فإنه يقول : إنه ليس على قلب أبيهم همّ ولا غمّ ولا كرب إلا بسببهم ... إلخ. ـ ومثل هذا الكلام يعدّ من المصادر الكبرى للإسرائيليات فى التفاسير القرآنية. والثعلبى ينقل عن وهب بن منبه اليهودى الذى قيل إنه أسلم ، ووهب ـ كما رأينا ـ شطح بعيدا فى تفسير الآية ، وذهب مذاهب عجيبة ، ومن الواضح أنه يقصد إلى أن يبثّ الرعب من اليهود فى نفوس المسلمين ، ويجعل من الإسرائيلى شخصية بطولية خرافية ينسب إليها الخوارق كأبطال السينما الأمريكية. وقد يكون لوهب عذره بالنظر إلى أنه يهودى ، ولكن ما عذر الثعلبى فى أن يروى عن وهب بلا تمحيص ولا مناقشة ولا تكذيب ، وكأنه عميل إسرائيلى قد أجرى له غسيل مخ ، فراح يردد كالإنسان الآلى ما يملى عليه؟! ولنحذر إذن أمثال هذه التفاسير ، وفى علم النفس يقال فى تشخيص ذلك أنه «التعيّن بالعدو» ، بمعنى أن الثعلبى قد تعيّن باليهود حتى لكأنه قد صار منهم. وكثير منا حاليا يفعل نفس الشيء فيما يسمى «عقدة الخواجة» ، فيقلّد الأجانب والمستشرقين فيما يفعلون ، ويردّد أفكارهم حتى لو كانت تزرى بنا وبلغتنا وديننا وهويتنا!
* * *
٤٣٦. البغوى تلميذ الثعلبى فى الإسرائيليات
يقال عن البغوى أنه محيّى السنّة ، وركن الدين ، وأنه الإمام الجليل ، والمحدّث المفسّر الجامع بين العلم والعمل ، واسمه الحسين بن مسعود بن محمد ، أبو محمد ، وشهرته القرّاء ، والبغوى ، ووفاته سنة خمسمائة وعشر هجرية ، وكتابه فى التفسير «معالم التنزيل» مختصر من الثعلبى ، ومن ينقل عنهم فيه ، منهم : مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والكلبي ، والضحاك