وبعض هذه الإسرائيليات يتوافق مع الشريعة ولكنه مع ذلك منحول وليس من التوراة فى شىء ، وبعضها مخالف للشريعة كالحديث عن الزانى والزانية ، وما قال به عبد الله بن سلام ، وتأكيده على آية الرجم ، مما ترتب عليه أن وضعت أحاديث فى الرجم ، والرجم يخلو منه القرآن ، وليس من الإسلام فى شىء. وما كان من المعقول أن يرد عن جلد الزانى والزانية فى القرآن ولا يرد الرجم ، فالأولى والأهم أن يأتى عن الرجم لا عن الجلد!
وبعض هذه الإسرائيليات فيه تنطّع ولا فائدة منه إطلاقا ، كالقول فى أسماء أهل الكهف ، وعددهم ، واسم كلبهم ، أو القول فى اسم الذى حاجّ إبراهيم فى ربّه ، والادّعاء بأن الله عاقبه ، بأن أدخل بعوضة فى منخرة ثم خياشيمه ودماغه ، فصارت ترف بأجنحتها فيه فيتعذّب أشد العذاب!
وإنما نحن فى زماننا هذا ومنذ ابن حزم وغيره ، لدينا ما يسمى «علم المقارنة بين الأديان» ، فنعرض النصوص عندنا وعندهم لنرى أيهما الأفضل أو الأولى بالاتّباع وما تحصّل من تطور فى الفكر والتطبيق. وليس ذلك ضمن ما اصطلحوا عليه باسم الإسرائيليات التى هى مستدخلات فى الإسلام ، عن طريق يهود أو نصارى أو زنادقة أو رواه مدلّسين ، أسلموا أو لم يسلموا ، وأذاعها عنهم مسلمون ، كما كان الصوفية يفعلون ، وهؤلاء نشروا عن أنبياء اليهود والنصارى وأحبارهما حكايات ، يمكن الموافقة عليها والقبول بها ، لو كانت ضمن باب الحكم والأمثال ، والتربية الأخلاقية ، أو غير ذلك من الموضوعات ، مما يوسّع الأفق ويزيد المعارف ؛ أما إن كانت تفسيرا للقرآن ، أو أن تنسب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فهذا هو المرفوض ، فلم تكن الإسرائيليات مرجعيات دينية ولا تاريخية ولا علمية ، ولكنها مدلّسات وخرافات ، بعضها كتب اليهود ، وبعضها لا أصل له سوى شروح اليهود على كتبهم ثم استدخلت فى الإسلام. ومما نسب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم أو الصحابة ، أحاديث أو خرافات الدجّال الأعور ، ورجوع المسيح ، والمعركة الوهمية التى سيقودها ، وحكومته العادلة ، وألفيّته الموعودة ، فذلك تراث يهودى ونصرانى محض وليست له أصول إسلامية من العقيدة ، ولم يتنزّل به القرآن ، ولو كان صحيحا لكان الأولى أن يتنزّل به بدلا من كثير من القصص الأقل أهمية فى القرآن.
وساعد على نشر الإسرائيليات أن المجتمع العربى أو الإسلامى كان قريب العهد بالإسلام ، والأقرب إلى ذهنه أن يتقبّل ما يروى له مما يعرف من سالف عقائده باعتباره من عقائد الإسلام. وقد كانت العرب أمّة أميّة ، ولم تؤخذ بالتربية الناقدة التى تتعلم منها أن تمايز بين الأشياء ، وتمحّص الوقائع ، وتختبر الكلام ، وتنحّى الزائف المنتحل منه ، فذلك ما