الأوروبيين وغيرهم من أهل الكتاب ، أو المستغربين من العرب والمسلمين من أهل النفاق ، الذين نهلوا من الثقافات الغربية ، وتركوا ثقافتهم وهويتهم العربية والإسلامية ومن هؤلاء أصحاب دعاوى العلمانية والعولمة والتنوير والعقلانية. وترتب يأس هؤلاء منذ عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، من إصرار المسلمين على طريقتهم. واليأس فيه لغتان ، تقول يئس وييأس يأسا ، كما تقول أيس ويأيس إياسا. وهم قد يأسوا أو أيسوا من أن يغروا المسلمين أن يرجعوا عن دينهم ، وأن يتركوا طريقتهم. وفى الحديث فى الصحيح : «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ، ولكن بالتحريش بينهم» ، وخصّ المصلين لأن الصلاة هى خصيصة المسلمين الأولى وطريقتهم المثلى فى دينهم ، وقد عمّ الإسلام الجزيرة العربية ، أو بالأحرى المعمورة ، فحيثما كانت للصلاة قائمة كان يأس أعداء الإسلام أن يحوّلوا المسلمين عن دينهم ، فلم يبق لهم إلا أن يحرّشوا بينهم ، ويؤلّبوهم على بعضهم البعض ، يقال حرّش بين القوم ، يعنى أغرى بعضهم ببعض ، لهذا كان أمره تعالى للمؤمنين بالصبر والثبات ، وأن لا يداخلهم الخوف من أعداء الإسلام ، كقوله : «فلا تخشوهم واخشون» (المائدة ٣) ، أى لا تخافوهم فى مخالفتكم إياهم ، واخشونى انصركم عليهم ، وأؤيدكم ، وأظفركم بهم ، وأشف صدوركم منهم ، وأجعلكم فوقهم فى الدنيا والآخرة ، قال :
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (القصص ٦) ، وقال : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) (الأعراف ١٣٧) ، وقال : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) (الأحزاب ٢٧).
* * *
٤٢٧. المسلم لا يكفّر إلا بالشرك
القرآن والحديث واضحان فى ذلك تمام الوضوح ، فالله تعالى يقول : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء ٤٨). وفى الرواية عند الطبرى : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم تلا : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر ٥٣) فقال له رجل : يا رسول الله! والشرك؟ فنزل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء ٤٨) ، والآية من المحكم الذى لا اختلاف فيه ، والذنوب من أمور الجاهلية ، ولا يكفّر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك ، ومن ذلك قول النبىّ صلىاللهعليهوسلم لأبى ذرّ لمّا عيّر الرجل بأمه : «إنك امرؤ فيك جاهلية» ، لأن ما فعله ، من الذنوب ، والذنب يتأتّى : من ترك واجب أو القيام بفعل محرّم. والذنوب من أخلاق الجاهلية ، والشرك أكبر الذنوب ، ولهذا استثناه ، فقال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ