سمحة ، يعنى لا تعصّب ولا تزمّت فيها كالذى عند اليهود والنصارى. والإسلام هو الوسطية ، وأمة الإسلام هى الأمة الوسط ، كقوله تعالى : (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة ١٤٣) ، فهى الأمة السمحة التى تتوسط بين إفراط اليهودية وتفريط النصرانية ، والوسط فى الفلسفة هو الخيار والأجود ؛ وفى الشهادة الوسط هو العدل ، فلأن الإسلام هو هذه الحنيفية السمحة كان أهله هم أهل الشهادة على الأمم.
والخلاصة : أن الإسلام هو العنوان الكبير لكل الديانات التى تدعو إلى الله بالحقّ ، فمن كانت تلك دعوته فهو مسلم ، ولذا جاء فى القرآن عن التوراة قبل تحريفها : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) (المائدة ٤٤) ، فقال فيها قولا حسنا ، وجاء كذلك عن الإنجيل قبل أن يعبث به الرواة والكاتبون : (الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) (المائدة ٤٦) ، فساوى بين التوراة والإنجيل ، وجعل فيهما الهداية لليهود والنصارى ، وجعلهما نورا يستضيئون بهما ويمشون على هديهما ، ولكن المشكلة أنهما ما عملا بالتوراة والإنجيل ، ولذا قال لهم : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (المائدة ٦٨) ، وقال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) (المائدة ٦٦) ، ولو لا ذلك ما أنزل القرآن ولا بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا بعثه قال فى الكتب الثلاثة : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) (التوبة ١١١) فقرن بينها ؛ وساوى بين دعواتها ، فهى جميعا نسخا من أصل واحد هو الإسلام ، وهو الدين الذى يدعو إلى الله : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء ٢٥) ، وفى الحديث : «نحن معاشر الأنبياء أولاد علّات ، ديننا واحد» ، يعنى أن الدين عند جميع الأنبياء هو الإسلام ، وهو الدعوة إلى الله ، وإن اختلفت الشرائع وتنوعت المناهج» والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٤٢٦. الإسلام يئس منه أعداؤه
الآية : (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) (المائدة ٣) نزلت حين فتح الرسول صلىاللهعليهوسلم مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع أو ثمان ، ونادى فيها مناديه : «من قال لا إله إلا الله فهو آمن ؛ ومن وضع السلاح فهو آمن ؛ ومن أغلق بابه فهو آمن» ، وحينئذ استشعر أعداء الإسلام اليأس من أن يتحول المسلمون عن دينهم ، أو يداخلهم إزاءه الشك كما يتمنون ، ومنذ البداية كانت تلك أمنيتهم ، وذلك هدفهم ، فعملوا على أن لا يكون المسلمون على ثقة من أمرهم ، فى أىّ من شئون دينهم ، وما تزال تلك غايتهم من منافحاتهم المستمرة ، ومنازعاتهم الدائبة مع المسلمين ، وأخصّهم «المستشرقون» ، سواء من