يثيرونها هم أهل الباطل ، أهل النفاق. وقد تشتد الفتن وتزيد وطأتها ، وربما
يتمنى الناس لو ماتوا ، وقد يغبطون أهل القبور ، فإذا عاينت ذلك أيها المسلم ،
فربما ما تعاينه من علامات الساعة ، وأنه من الفتنة ، وأن الناس ما ملأها الخوف
إلا أن يروا دينهم قد ذهب ، بغلبة الباطل وأهله ، وظهور المعاصى والمنكر فلا أقل
حينئذ أن يتمنوا الموت.
* * *
٤٠٢. ذهاب الدين من
علامات الساعة
يقول تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا
تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) (٣) (سبأ) قيل : إن أبا سفيان فى زمنه كان يقول : واللات والعزّى لا تأتينا
الساعة أبدا ، ولا نبعث» ، ولذلك نزلت الآية ، وكل وقت وفيه مثل أبى سفيان ،
والآية يردّ الله بها على من ادّعى بطلان الساعة عامة ، وأبو سفيان يحلف باللات
والعزى ، وأهل الباطل يقسمون بالباطل ، وفى ذلك الحديث : «لا تقوم الساعة حتى تعبد
اللات والعزّى» أى عند ما لا يكون القسم إلا بالباطل تقوم الساعة ، وكأن الباطل
سينتصر ، وكأننا ما فعلنا شيئا ، وكأن من مات فى سبيل الله مات من أجل قضية خاسرة
، فالانتصار مرة أخرى وعلى المدى الطويل ، وفى نهاية الأمر ، للّات والعزّى ـ أى
للباطل والضلالة! وفى القرآن غير ذلك ، لأن الله قد وعد المسلمين أهل الحق أن يكون
النصر لهم ولدينهم ، فكيف يعود الناس لعبادة الضلال من جديد؟ والثابت فى القرآن أن
أهل الحق مستخلفون فى الأرض كقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً) (٥٥) (النور) ، وقوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ) (١٧٢) (الصافات) ، وقوله : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ
هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) (المائدة) ، فكيف إذن يعود الناس لعبادة اللات والعزّى؟ وقال الفقهاء
: ربما المعنى أن الدين لا ينقطع بالكلية من جميع أقطار الأرض ، فيبقى منه شىء ،
إلا أن ما يبقى يكون مع ذلك ضعيفا ، ويعود الإسلام غريبا كما بدأ. ويناقض ذلك
الحديث الآخر : «لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم ...»
، والمغزى العام أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة ، وأن القرآن لا يمكن أن يضيع من
السطور ، ولا أن ينمحى من الصدور. وهناك الحديث : «لا تقوم الساعة إلا على شرار
الخلق ، هم شرّ من أهل الجاهلية» ، ولا يعنى الحديث أن كل الناس أشرار ، ويقابله
الحديث : «لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم
حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك» ، وفى القرآن فى وصفهم : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَ