٣٦٥. سمّى نفسه تعالى شيئا
يقول تعالى فى الآية : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) (١٩) (الأنعام) ، فسمّى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه ، ولم يجعل لفظ «شىء» من أسمائه ، ودلّ على نفسه أنه «شىء» من باب : «ليس كمثله شىء» ، فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ، وإنما كل صفة له تسمى شيئا ، بمعنى أنها موجودة ، وهذا ردّ على كل من يزعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله «شىء» ، وأن المعدوم «شىء» ، وأهل العلم على أن لفظ «شىء» يقتضى إثبات موجود ، وأن لفظ «لا شىء» تقتضى نفى موجود ، وأما قولهم «ليس بشيء» فإنه بطريق المجاز ويعنى الذمّ.
* * *
٣٦٦. الله لا تدركه الأبصار
قيل فى الآية : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) (القيامة) ، أن المؤمنين يوم القيامة ينظرون إلى ربّهم نظرا ، يعنى يرونه ؛ والناس فى ذلك مختلفون بين منكر للرؤية ومثبت لها. وقيل الحديث : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فهو يراك» فيه إشارة إلى انتفاء الرؤية ، والمثبتون يقولون بل الانتفاء فى الدنيا لأن الحديث عن الدنيا. وفى الآية عن المنافقين فى الآخرة : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) (المطففين) دليل على أن المؤمنين يرونه فى الآخرة ، ويحجب عن ذلك المنافقون ، كما فى قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٧٧) (آل عمران) والنظر بمعنى الرؤية هو الذى يتعدى بإلى ، فيثبت أن ناظره بمعنى رائيه ، وطالما أن الله موجود فيصحّ أن يرى على سبيل التنزّل ، وإلا فصفات الخالق لا تقاس على صفات المخلوقين. ومن ينكر الرؤية يقول : إن من شرط المرئى أن يكون فى جهة ، والله منزّه عن الجهة ، فالرؤية لا تتحقق فى معناها. ومن يثبت الرؤية يقول : إن الرائى يحصل له العلم بالله برؤية العين ، كما فى المرئيات ، كما فى الحديث النبويّ فى الرؤية : «كما ترون القمر» ، إلا أنه تعالى منزه عن الجهة والكيفية. وقيل : المراد بالرؤية العلم بالله ، وهى حصول حالة فى الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة كنسبة الإبصار إلى المرئيات. وقيل : رؤية المؤمن لله من نوع الكشف ، والكشف أوضح وأتم من العلم. ويذهب أهل السنة إلى جواز رؤية الله فى الآخرة ، وأنكر عليهم المنكرون بدعوى أن الرؤية توجب كون المرئى محدثا وحالا فى مكان ، وهذا محال على الله ، وهو تعالى القائل عن نفسه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١٠٣) (الأنعام) ، وأخبر عن موسى لمّا قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (١٤٣) (الأعراف). وردّ المثبتون هذه الحجة بأنه تعالى لا تدركه الأبصار فى الدنيا ، إلا أن نفى